البطالة في بلادي (1)

 د/ عبدالرحمن بن حامد الحامد·                                                                                                                        اقتصاد إسلامي· 

 الكلية التقنية في بريدة·

moath30@yahoo.coom

ج: 0503774446

                                             

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

   حينما يتم نقاش التنمية الاقتصادية يتضح بجلاء الدور المزدوج للقوى البشرية حيث تمثل:

1- الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية باعتبارها تمثل عنصر العمل الذي يستحق الأجر، و عنصر التنظيم الذي يستحق الربح، وفي ظل هذا المفهوم يتحتم على كل مجتمع القيام بتنمية القوى البشرية، والتركيز على القوى العاملة: في التدريب والتعليم وتنمية الكفاءات وصقل المهارات، وفق إستراتيجية تأخذ في اعتبارها عدة متغيرات وخصائص (جغرافية، ديمغرافية، اجتماعية، اقتصادية، تعليمية،وأسلوب – تكنولوجيا – الإنتاج المتبع(العلاقة بين رأس المال والعمل، أي هل يتم الإنتاج بكثافة رأس المال أم بكثافة العمل) ….الخ.

2- المنتفع بالتنمية: حيث يتم توزيع الدخل على المشاركين في العملية الإنتاجية، ثم إعادة توزيع الدخل، وهذه الدخول يتم إنفاقها أنيا أو مستقبليا بالإضافة إلى الخدمات المجانية التي يحصل عليها المواطنون بهدف تحقيق الرفاهية كـ “حق لكل فرد في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك: التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية {التأمين الصحي} وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”.  وهذا ما أشار إليه إعلان

الحق في التنمية[1] عام 1986م والذي يستمد مصادره من المادة 25من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م ، وقد سبق ذلك الإعلان؛ الهدي النبوي في تأسيس قواعد العدل فال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )[الإسراء:70] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ” رواه البخاري[2] وقيام الفاروق رضي الله عنه بفرض الأعطيات لكل من بلغ الفطام بل لكل مولود ذكرا كان أم أنثى، بل الأعظم من ذلك قيامه بإسقاط الجزية- الضريبة المفروضة على غير المسلين مقابل الحماية وإسقاط التجنيد عنهم –  عن الشيخ الكتابي حينما شاهده يتسول،  بل فرض له معاش، وقال: أنأخذ منه في شبابه ونتركه في عجزه، وكذلك التطبيقات الراشدية في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حينما نهج منهج العدل والشورى في ولايته، وقام بتوزيع الثروة والدخل توزيعاً عادلاً، كان عماله يجوبون البلدان والأمصار بحثا عن من يأخذ الزكاة فلا يجدون. ثم يؤسس الخليفة للحد الأدنى لمستوى الرفاهية لذلك المجتمع بقوله ” اقضوا الدين عن كل مدين حتى لو كان متزوجاً ويملك بيتا وراحلة وخادماً”[3] أين نحن من مستوى الرفاهية في ذلك العهد.

     وحينا نتكلم عن البطالة في بلادنا لابد من معرفة مفهوم البطالة؛ ففي الدول المتقدمة اقتصادياً يحسب الاستخدام – التوظيف –  غير الكامل للعمل عن طريق مفهوم البطالة:  وهم الأشخاص الذين بدون عمل  ويبحثون بجدية عن عمل، وبذلك يكون مفهوم معدل البطالة – في الدول المتقدمة – أنه مجموع العاطلين كنسبة من مجموع العمال.

     ونحن في المملكة العربية السعودية قد وقعنا في أزمة تعريف البطالة ومفهومها قبل أزمة ومشكلة البطالة فإذا كانت وزارة العمل تعرف البطالة في السعودية على أنهم الأفراد الذين تقدموا بطلبات للوزارة أو  لوزارة الخدمة المدنية واستمروا في قائمة الانتظار فهذه مشكلة منهج في التأسيس لمفهوم البطالة في بلادنا، حيث إن الأفراد الذين يبحثون عن عمل ولم يجدوه، ويستمرون لا يعملون ولفترة طويلة نسبيا هم أبناء الأسر ذات الدخل الجيد لأنهم يستطيعون العيش لفترة زمنية بدون دخل (عمل).

     أما الغالبية العظمى من الأفراد رجالاً ونساء،-  وهم الذين يمثلون الشريحة الكبرى من العاطلين –  في حالة عدم توفر فرص عمل تتوافق مع قدراتهم ومؤهلاتهم فإنهم لا ينتظرون تلك الفرص وذلك لعدم استطاعتهم البقاء طويلاً، لحاجتهم إلى الدخل لتلبية احتياجاتهم الضرورية، فيضطرون للعمل في مستويات منخفضة من الأجور مثل العمل خلال المواسم وشهر رمضان المبارك ومواسم بيع المنتجات الزراعية كموسم بيع البطيخ وبيع التمور، أو باعة متجولين؛ كباعة الخضار والبخور والعسل في كل ناحية وعند كل جامع، ومقدمي خدمات النقل بين المناطق وداخل المدن في سياراتهم الخاصة، وصغار سماسرة العقار، والمعقبين للأوراق والمستندات.

     وهذه الغالبية العظمى من العاطلين في المجتمع لا يظهرون في إحصائيات البطالة غالبا، وإذا ظهروا فلن يبقوا في عداد البطالة الرسمية لفترة طويلة؛ لممارستهم لتلك الأعمال غير الرسمية متدنية الدخل، ولا يتقدمون مرة أُُخرى ليأسهم وقنوطهم، بالإضافة إلى الأعمال الجزئية والموسمية التي يمارسونها، ومقارنة أجور الأعمال والوظائف الرسمية لساعات عمل طويلة – في حالة حصولهم عليها – مع الدخول التي يحصلون عليها من العمل غير الرسمي، وساعات العمل التي يضحون بها.

    وتطالعنا الإحصاءات عن أعداد قوة العمل‘وأعداد المشتغلون في القطاعين العام والخاص؛ من وزارة العمل، و وزارة الخدمة المدنية، و مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات- وزارة التخطيط والاقتصاد، وبعضها يعزو المعلومات إلى الآخر وهي كالآتي: قوة العمل من السعوديين رجالا ونساء  4.173.019 فرد،اً المشتغلون منهم 3.274.356 فرد.

     بينما تطالعنا وزارة العمل بأن أعداد السعوديون رجالا و نساء المشتغلون في القطاع الخاص نهاية عام 2008م  829.057 فردا وهم الذين يعملون في الزراعة والغابات والصيد البري والأسماك والمناجم واستخراج البترول والغاز والمحاجر والصناعات التحويلية والكهرباء والغاز والمياه والتشييد والبناء والنقل والتخزين والاتصالات والمال والتأمين وخدمات العقارات والخدمات الجماعية والاجتماعية، وغيرها من الأنشطة.

    وحسب إحصائيات وزارة الخدمة المدنية فإن عدد الموظفين من الرجال والنساء  في القطاع العام حتى نهاية 2008م  827.846 فردا.

     وبناءا على ذلك يكون مجموع المشتغلين السعوديين رجالا ونساء في القطاعين العام والخاص هو 1.656.903 فردا بينما العدد المعلن قرابة ضعف هذا العدد.

    ويمكن حساب قوة العمل من السعوديين رجالا ونساء كما يأتي:

عدد السكان من سن  15 إلى سن 59 =10.499.152 نسمة محسوماً منهم عدد أعداد الطلاب من سن 15سنة فما فوق وهم طلاب المرحلة الثانوية، وما بعدها ( طلاب الكليات التقنية والمعاهد الفنية، والجامعات والدراسات العليا )  وهم على التوالي 1.013.074 و83.347 و886.641 ومجموعهم 1.983.062 طالب وطالبة.

     إذن قوة العمل من السعوديين رجالا ونساء = 10.499.152 – 1.983.062=8.516.090  ، عدد الرجال 4.275.077  وعدد النساء 4.241.012  ، وهذا العدد لقوة العمل يمثل أكبر من ضعف العدد المعلن، من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أي أن العدد المعلن لقوة العمل يمثل 49% فقط من العدد الحقيقي.

    إلا إذا افترضت المصلحة ووزارة العمل أن 51% من قوة العمل غير نشطا اقتصادياً ومرضى وسجناء وأثرياء لا يرغبون في العمل.

البطالة في صفوف الرجال:

المعلن من مصلحة الإحصاءات العامة، و وزارة العمل أن قوة العمل من السعوديين (رجال) 3.513.522 فردا والمشتغلون السعوديون (رجال) 3.274.356 فردا ومعد البطالة في صفوف الرجال 6,9% ، وسبق إيضاح أن قوة العمل من السعوديين (رجال) 4.275.077 فردا، وعدد المشتغلون في القطاعين من الرجال 1.330.306 .

    عدد الرجال الذين لا يعملون في القطاع الرسمي ( العام والخاص)

=4.275.077-1.330.306=2.944.771 فردا وإذا افترضنا أن هذا العدد يبحثون عن عمل بجدية وبشكل مستمر وبدون يأس أو انقطاع ويكررون تقديم ملفاتهم لوزارة الخدمة المدنية، و لوزارة العمل، فإن معدل البطالة= 2.944.771÷4.275.077=0,688822914×100=68,9%تتقرباً، أي أن معدل البطالة بين صفوف الرجال أكثر من 68% وهذا المعدل يزيد عن المعدل المعلن بعشرة أضعاف.

     غير أن هذا العدد من الرجال الذين لم يفلحوا في الحصول على العمل الرسمي حيث بحثوا عنه لفترة زمنية معينة فلما يأسوا من الحصول على العمل الرسمي، لم ينتظروا طويلاً لحاجتهم الماسة للنقود – دخول – لتلبية احتياجاتهم؛ مما اضطرهم للعمل غير الرسمي في مستويات دنيا من الأجور.

      البطالة في صفوف النساء:

وفي إحصائيات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات تقدير قوة العمل النسائية بـ 660.000 امرأة المشتغل منهن 482.000 ومعدل البطالة 24,9%، ومن خلال تتبع قوة العمل النسائية حسب الإحصائية الرسمية يتضح أن المصلحة تفترض هناك امرأة واحدة ترغب بالعمل من بين كل خمس نساء أي أربع نساء يرغبن البقاء في بيوتهن من بين كل خمس، ولا أعلم على أي أساس تم تحديد هذه النسبة أي اعتبار أن 80% من النساء السعوديات اللواتي في سن العمل يرغبن البقاء في بيوتهن.

     وسبق أن أوضحت أن عدد النساء السعوديات اللاتي في سن العمل (من عمر 15سنة إلى عمر 59 سنة ) بعد حسم أعداد الطالبات في المرحلة الثانوية وما بعدها = 4.241.012 امرأة وبناء على استطلاع قام به الدكتور محمد العبيشي في منطقة القصيم [4]عن رغبة المرأة في العمل توصل من خلاله إلى أن أربع نساء من بين خمس يرغبن في العمل خارج المنزل، وإذا عممنا هذه النتائج يمكن القول أن قوة العمل النسائية السعودية=4.241.012×(4÷5)= 3.392.809 امرأة فإذا حسمنا من هذا العدد المشتغلات في القطاعين العام والخاص والبالغ  326.551يكون عدد النساء اللاتي لا يعملن 3.066.258  امرأة وإذا كنَ كلهنَ يبحثن عن شغل بجدية وبشكل متواصل فإن معدل البطالة في صفوف النساء = 3.066.258 ÷ 3.392.809=0,904×100=90,4% بينما المعلن في  إحصائيات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن قوة العمل  النسائية من السعوديات 660.000 امرأة فقط وهذا العدد يمثل ما يقارب 20% من العدد الذي توصلت إليه، ومعدل البطالة 24,9%.

     لكن هذا العدد من النساء لا يبقى معظمهن بدون عمل إذ يمارسن الأعمال غير الرسمية: فالبعض منهن يعملن في منازلهن كتربية الأبناء مع إنتاج الخدمات المنزلية لأزواجهن وأولادهن والبعض الآخر يعملن في إنتاج الأكلات الشعبية والتعليم غير الرسمي و بائعات تسالي وسلع أخرى في الحدائق والمتنزهات والأسواق، وهذه الأعمال بالجملة منخفضة الدخل ويمكن وصف ممارسيها بالعاطلين لانخفاض دخولهم أو بالبطالة المقنعة لأن ممارسي هذه الأعمال يقضون ساعات طويلة ولا يحصلون إلا على دخول منخفضة نسبيا، أما البقية من النساء وهن الأكثرية فيدخلن ضمن عداد البطالة السافرة.

      فإذا كانت الجامعات والكليات التقنية والمعاهد الفنية خرجت ما يزيد عن 120.000 فردا عام 2008م والعدد يتزايد كل عام فإننا عما قليل نصبح أمام كارثة بطالة بنتائجها السلبية سواء منها الأمنية والاجتماعية والصحية والاقتصادية.

    وبالتالي لا يقتصر مفهوم البطالة في السعودية على الأفراد الذين يبحثون عن عمل بجدية ولا يجدونه بل يشمل الأفراد الذين يعملون في القطاع غير الرسمي مقابل دخول منخفضة والذين لا يعملون على الإطلاق والكل لا يبحث عن العمل بجدية ليأسهم وقنوطهم وعدم انطباق الشروط والمعايير المطروحة للتوظيف في القطاعين العام والخاص.

     إذن أي قرار صائب تتخذه القيادة في ظل تعتيم وحجب الحقائق والإحصائيات‘ أم أن صاحب القرار ترسل إليه الحقائق في تقارير سرية – على طريقة المناصحة السرية – لا يصح أن يطلع عليها المعنيين في الأمر من العاطلين وغيرهم.

 

     وللحديث بقية إن شاء الله عن تعريف البطالة و أسبابها ومقترحات للبدء في علاج البطالة.           

[1]
 إعلان الحق في التنمية

اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامةة
للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 كانون الأول/ديسمبر1986م جامعة منسيوتا مكتبة حقوق الإنساان
 

 

[2] -عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى الرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى عليه وإلا قال: ” صلوا على صاحبكم” فلما فتح الله عليه الفتوح قال: ” أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ” رواه البخاري  وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا و أنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرؤوا إن شئتم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك ديناً أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه”   

 

[3] – قال أشهب: بلغني عن عمر بن غبدالعزيز فيمن له الدار والخادم والفرس أن يعطى من الزكاة، المدونة الكبرى، (2297)

[4] – انظر صحيفة الاقتصادية العدد 5839 في 17101430

 

2 thoughts on “البطالة في بلادي (1)”

  1. size][size=9]أن معدل البطالة بين صفوف الرجال أكثر من 68% وهذا المعدل يزيد عن المعدل المعلن بعشرة أضعاف.
    فإن معدل البطالة في صفوف النساء = 3.066.258 ÷ 3.392.809=0,904×100=90,4% بينما المعلن في إحصائيات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن قوة العمل النسائية من السعوديات 660.000 امرأة فقط وهذا العدد يمثل ما يقارب 20% من العدد الذي توصلت إليه، ومعدل البطالة 24,9%.[/
    :SMI:

  2. صباح الخير

    البطاله تزيد يوم بعد يوم

    مع كل المتغيرات الا ان وجع البطاله مازال بدون تشخيص

    بطالة المرأه وصلت الى 60%

    جامعيه عاطله عن العمل تسع سنوات بدون وظيفه

    رغم اني والله الحمد متفوقهــ

Comments are closed.

مواضيع مشابهه

كيف نحصل على حقوقنا في ظل الانظمه الغير ديمقراطيهكيف نحصل على حقوقنا في ظل الانظمه الغير ديمقراطيه

( نواة هذه المحاضره القيت في اثنينية ثقافة المجتمع المدني يوم الاثنين 8/9/2008 ) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين , الحمد لله الذي من علينا بالجرأة في

إقـرأ المزيدإقـرأ المزيد