شبهة سبق الحضارة الغربية الإسلام في وجوب استشارة الشعب قي أموره المصيرية ؟؟؟

شبهة سبق الحضارة الغربية الإسلام في وجوب استشارة الشعب قي  أموره المصيرية ؟؟؟

دين الإسلام -الصالح لكل زمان ومكان-  لايقر التفرد بالقرار أياً كان الشخص الذي قام بإصداره ومهما كانت درجة صحته أو قبول الناس به  ,  خاصة تلك القرارات المصيرية التي تتعلق بالشأن العام للأمة كتعيين نوابها أو توقيع تحالفاتها واستعانتها بأحد أعدائها , أو تمس حياتها اليومية كفرض الرسوم وتحديد أسعار الخدمات ونحوها أو تتعلق بمقدراتها أو مالها العام  كالموافقة على المشاريع العامة وتحديد الميزانيات وإقراض الدول الأخرى وغيرها , أو تتعلق بحاجاتها الضرورية كالتعليم والصحة والدفاع ونحوها من قرارات تعتبر مصيرية في وجودها أو تطورها أو عزتها أو في تمسكها بثوابتها ونحو ذلك ,  ولذلك اوجب  الإسلام الشورى بأمره الصريح الواضح بها في قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :(وشاورهم في الأمر ) وإذا كان النبي المعصوم –  فيما يبلغ عن ربه –  مأمور بالشورى امرأ جازما , فان غيره من بقية الأمة من باب أولى سواء كان هذا فقيها عالما ,أم عابداً زاهداً , أم حكيماً عارفاً. أم قوياً باطشاً

وجعل الله الشورى فضلا منه على هذه الأمة,  وإحدى السمات التي كانت تتميز بها  ,وذلك في قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ في شأنه كله وما قصة غزوة بدر, وقصة الأسرى , ووفاته صلى الله عليه وسلم دون أن يعين خليفة له وغيرها , إلا تطبيق عملي واقعي , على هذا المبدأ  المهم والضروري في حياة هذه الأمة المحمدية خاتم الأمم .                                                                                                                                           وفي الوقت الذي تنكرت فيه هذه الأمة لهذا المبدأ الشرعي الذي عده بعض العلماء ركن الحكم الأساس في الإسلام مما تسبب في انتشار الاستبداد فيها الذي أنتج التخلف الحضاري والتقني حتى أصبحت هذه الأمة في ذيل الأمم  سياسياً واقتصادياً, وعسكرياً, بسبب تفرد شخص أو عدة أشخاص في مصير باقي الأمة,,فقد فطنت له بقية الأمم  الأخرى في هذا العصر المتأخر ,فبدؤا  بتطبيقه, والعمل به  , حتى أوجدت لديهم المؤسسات التي تعنى بالمجتمع المدني ,  والنقابات التي تمثل شرائح المجتمع , مما تمخض عنها وجود برلمانات ومجالس نيابية  منتخبة من عرفاء المجتمع,  تقرر ما فيه مصلحة المجتمع أياً كانت  , مما قطع الطريق أمام السياسيين عن التفرد بقرارات مجتمعهم المصيرية , وغير المصيرية  , ولذلك يسعى السياسيون في تلك المجتمعات  إلى البحث عما يصلح المجتمع مما يتوافق مع تطلعات النواب والبرلمانيين  , ومن هنا يعلم الجميع أن القرارات الصادرة في تلك المجتمعات من الإدارة السياسية في الدولة  أنما هي قرارات- امة وشعب لا قرارات نخب حاكمة –ولذلك نجدها تتوافق مع  رأي الأغلبية الشعبية , والذين تمثلهم هذه الأغلبية البرلمانية او النيابية التي مررت القرار أو أصدرته                                                                                                     فإذا كان هذا المبدأ قد فرض في الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا , بينما لم تعرفه الحضارة الحديثة الا قبل قرنين ماضيين تقريبا , فان الأمة الإسلامية أولى بتطبيقه ,  خاصة وان قدوتنا  نبي هذه الأمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد طبقه ,- وهو الذي لا ينطق عن الهوى , والمعصوم من ربه فيما يبلغ عنه –  وأمر بتطبيقه , وحينما تحرص امة الإسلام على تطبيق هذا المبدأ فإنها تحصل على مجموعة من الثمرات والفوائد أجملها في الآتي :

1.     طاعة الله وطاعة رسوله وامتثال أمرهما في العمل بالشورى في شئون الحياة        

2.     إظهار الاهتمام بالقران الكريم والعمل وفق توجيهاته الربانية واثبات أن القرآن لم ينزل ليحفظ في الصدور فقط –كما يراد له الآن  من قبل من يريدون أن يكون وجوده في حياة الأمة صورياً – ولكن ليعمل به بفعل أوامره واجتناب نواهيه.                                                 

3.     إثبات أحقية المسلمين بهذا المبدأ الذي قرره الإسلام قبل جميع الحضارات                                 

4.     البعد عن الوقوع في الخلل و الخطأ وذلك أن رأى الجماعة أبعد عن الخطأ من رأي الفرد وهذا يتضح جليا في وقتنا الحاضر عندما نجد بعض الأمم لا يستطيع حكامه فرض بعض الأمور عليهم لان ممثلي الأمة المنتخبين منها يرفضون ذلك ويستمدوا قوتهم في ذلك من الشعوب فهم مستقلين عن الحكومات بخلاف الأمة العربية التي يفرض عليها حكامها ما يشاؤن ولا تستطيع المجالس الصورية أن ترفض ذلك لأنها واقعة تحت سيطرت الحاكم والذي هو بالتالي واقع تحت سيطرت أعدائه أحيانا

5.     إثبات أن الأمة هي ولية أمر نفسها وأنها بمجموعها هي المسئولة مباشرة أمام الله عز وجل عن حفظ الشريعة والعمل بها وليس الحاكم وحده , وهذا يوضح بجلاء أن ما يصيب الأمة – من ذل وصغار واستضعاف وانتشار للمنكرات و تسلط الأعداء عليها و ضياع أموالها ومقدراتها و امتهان كرامتها ونحو ذلك – أنها تكون هي بجميع شرائحها- من علماء وقضاة وأكاديميين وتجار وصناع وعامة –  مسئولة عنه أمام الله عز وجل وسوف يحاسبها الله عز وجل عنه كما يحاسب حكامها عنه أيضاً , ولا يجوز لها أن تعتذر عن ذلك  بعدم علمها آو بعدم قدرتها أو بأن مسئولية ذلك على الحكام لأنها بمجموعها مسئولة مسئولية مباشرة عن حفظ الشريعة وهي محاسبة على تفريطها في ذلك , والدليل على ذلك أن جميع الآيات التكليفية  في القرآن الكريم جاءت موجهة للأمة بعمومها وليست للحكام خاصة  , ومن ذلك خطاب الله عز وجل  في الآيات التكليفية بيا أيها الذين امنوا  وغير ذلك من النصوص الشرعية الكثيرة في القران الكريم وفي السنة النبوية منها حديث(أن الناس إذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده)                                      

6.     انه لا يمكن للأمة أن تقوم بما اوجب الله عليها من حفظ الشريعة , وحماية جناب التوحيد وتطبيقهما التطبيق الصحيح إذا كانت تسير أمورها وتصدر قراراتها المصيرية,  وفق رأى وهوى شخص واحد,  أو أشخاص قلة محددين يسيرون وفق أهوائهم ورغباتهم الشخصية , تم تعيينهم من قبل الحاكم فينشدون رضاه , ولو كان رضاه يخالف مصلحة الأمة , ويضر بمستقبلها.بخلاف ما لو كانوا قد تم انتخابهم من قبل عموم الأمة فإنهم بلا شك  سيبحثون عما فيه مصلحة الأمة ولو كان ذلك بخلاف رغبة الحاكم وضد شهوته ورغبته.

7.     العمل بالسنة النبوية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم من استشارته لأصحابه كما في غزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق , والعمل في أسرى بدر وغير ذلك من الأعمال التي كان النبي يستشير فيها عرفاء الأمة قبل أن يقدم على العمل إذا لم يكن قد نزل فيه وحي من الله

8.       الاقتداء بالخلفاء الراشدين و صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في استشارة عرفاء  الأمة ونوابها, كما فعل الصحابة عند اختيار أبي بكر رضي الله عنه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكما فعل  أبو بكر رضي الله عنه  في محاربة المرتدين ,وفي تسيير جيش أسامة رضي الله عنه  ,وكما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .                                       

9.     تجنب تسلط الأعداء على الأمة  وإلغاء لمبدأ وصايتهم عليها ,  وذلك أن الأمة إذا كانت هي ولية أمر نفسها فإنها تستطيع أن تقول بمجموع أفرادها( لا) لكل من أراد أن يفرض عليها وصايته بخلاف ما إذا كانت تصدر عن رأي رجل واحد فانه يمكن إقناعه أو إخافته أو تهديده من قبل أعداء  الأمة – خاصة حينما تكون علاقته مع مواطنيه وشعبه قائمة على مبدأ استعمال القوة في فرض القرارات وتنفيذها –  فيتنازل عن رأيه عند ضغط أعدائه عليه إما بالوعد أو بالوعيد , وإما بالترغيب أو بالترهيب 

10.              أن القرار الذي يصدر برأي عموم الأمة تكون هي المسئولة عنه أمام الله وأمام الناس وأمام نفسها

11.              أن القرار الذي يصدر عن رأى الأمة عن طريق نوابها وعرفائها الذين تنتخبهم – لا الذين يفرضون عليها – يكون بعيدا عن الخطأ لان الأمة لايمكن أن تجمع على ضلالة أو خطأ واضح وإمكانية بعدها عن الخطأ بمجموعها عن طريق نوابها أكثر من إمكانية ذلك عندما تصدر عن رأي رجل وحد أو مجموعة أشخاص عينهم الحاكم بهواه وإرادته.

12.              أن الأمة تشعر بأنها معنية بهذا القرار الصادر منها عن طريق نوابها وبرلمانييها .فتكون أحرص على تطبيقه والامتثال لتعاليمه مما يعين على الامتثال للقرارات الصادرة ويساعد على تنظيم المجتمع .                  

13.              أن العمل بالشورى والالتزام بها ابعد للمجتمع الإسلامي عن الوقع في المنهيات الشرعية واقرب للموافقة للتعاليم الإسلامية وذلك بخلاف ما كان يروج له بعض السياسيين المستبدين حيث كان يستغل بعض الجهل الذي كان يوجد عند بعض أفراد الأمة فيخوفهم من الشورى,  ومن المجالس النيابية بحجة أنها قد تفضي إلى إقرار أمور محرمة , وذلك لان إيجاب العمل بالشورى في زعمه كإيجاب العمل بالديمقراطية, وبما أن الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب , فإذا حكم الشعب الشعب فقد يحكمونهم بالباطل أو يقرون عليهم أمور محرمة, فإن إيجاب العمل بالشورى قد يفضي لمثل ذلك   وهذه الحجة أوهى من بيت العنكبوت , ولا يمكن أن تنطلي إلا على جاهل جهلا مركبا ً , وذلك لان الشورى مبدأ شرعي ثابت بالقرآن والسنة وقد طبقه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وإذا كان القراراو النظام صادر عن طريق الشورى في مجتمع إسلامي فإنه لايمكن إن يتم إلا وفق شرع الله عز وجل وذلك لأنه لا يتصور في امة الإسلام أن تقر امرأ أو تشير به إلا إذا كان وفق هدي الإسلام,لان الله عز وجل جعل حفظ الشريعة على عموم الأمة لا على الحاكم كما يظن بعض الجهلة وإذا كان إقرار الأمور موكل للحاكم فقط – كما هو حال بعض المجتمعات الإسلامية- فان إمكانية إقراره للأمور المحرمة اكبر من إمكانية إقرار مجموع الأمة للأمور المحرمة ,ومن هنا ندرك انه ليس بصحيح ما يحاول أن يروج له بعض المستشرقين والساعين في ركابهم من أبناء المسلمين من أن الإسلام هو سبب انتشار الاستبداد والطغيان  في بلاد الإسلام بين المسلمين .

وذلك بسبب أن الإسلام – كما يزعمون – جعل أمر امة الإسلام في يد رجل واحد  سماه (ولي أمر) وهذه التسمية ليست بصحيحة على الإطلاق ولا يصح إطلاقها على الحاكم لغة وشرعاً— وجعله الله ظله في الأرض ولذلك لايجوز أن يسأل عما يفعل( وهذا تشبيه له بالله عز وجل)  بينما بقية الأمة عن أفعالهم يسألون ,وان ما يحاول إن يطالب به عقلاء المسلمين في هذا الوقت من وجوب استشارت الأمة في أمورها إنما هو –كما زعم الجهلاء- إعجاب منهم بالحضارة الغربية المتقدمة, بل يجب أن يدرك الجميع مقولة ذلك الصحابي الجليل حينما وقف بين يدي اكبر ملك في وقته وسأله ما الذي أتى به من بلاد العرب إلى بلاده قال:جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. إنها فلسفة الإسلام ومبدأ أساس من مبادئه سبق به جميع الحضارات وليس عيبا به ما وقع فيه أبنائه من تنازلهم عن حقوقهم في وجوب استشارتهم في أمورهم العامة والخاصة وجعلهم ذلك للمستبدين من حكامهم, فهذا عيب في مسلمي هذا العصر وليس عيبا في الإسلام

 

 

                                                                       كتبه/

                                                            أ.د/عبد الكريم بن يوسف الخضر

                                                  أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة في جامعة القصيم

3 thoughts on “شبهة سبق الحضارة الغربية الإسلام في وجوب استشارة الشعب قي أموره المصيرية ؟؟؟”

  1. – كما يزعمون – جعل أمر امة الإسلام في يد رجل واحد سماه (ولي أمر) وهذه التسمية ليست بصحيحة على الإطلاق ولا يصح إطلاقها على الحاكم لغة وشرعاً

    —————————

    نعم الرجال انتم يا احرار الوطن

    الله ينصركم ويثبتقكم لقول الحق

    افضل الجهاد قول كلمة عدل عند سلطان جائر

    اللهم صلى وسلم على حبيبنا المصطفى
    عليه افضل الصلاة واتم التسليم

  2. بارك الله بك استاذي وبقلمك النير المطلع والمثقف بنور الهدى الإسلامي الحقيقي
    هذا ماتحتاج له الأمه حقاً توعيتها في حقوقها السياسية وحقوقها الاقتصادية والقانونية مزيداً من الجهود وبارك الله بكم اخوتي الكرام

Comments are closed.

مواضيع مشابهه

الشعب السعودي .. من يهن يسهل الهوان عليه !الشعب السعودي .. من يهن يسهل الهوان عليه !

بقلم إبراهيم النوفل قرارات الحكومة ووعودها الوهمية , وتجاهلها لحقوق المواطنين , وإنكباب الشركات على سرقة ما في جيوب المواطنين, لم تكن لتحدث لولا أن الشركات والحكومة من ورائها ,

إقـرأ المزيدإقـرأ المزيد

البطالة في بلادي (1)البطالة في بلادي (1)

 د/ عبدالرحمن بن حامد الحامد·                                                                                                                        اقتصاد إسلامي·   الكلية التقنية في بريدة· [email protected] ج: 0503774446                                               بسم الله الرحمن الرحيم      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى

إقـرأ المزيدإقـرأ المزيد

مشروعية الإضراب عن المشارب والمطاعم من أجل رفع المظالممشروعية الإضراب عن المشارب والمطاعم من أجل رفع المظالم

بسم الله الرحمن الرحيم مشروعية الإضراب عن المشارب والمطاعم من أجل رفع المظالم -الإضراب عن الطعام- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه

إقـرأ المزيدإقـرأ المزيد