بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرة لماذا (لجنة تقصي الحقائق)؟ عن انتهاكات حقوق الانسان
أولا= خزان التوتر يتراكم، بتوالي سحق الحكومة حقوق المواطنين المدنية والسياسية ولاسيما منذ ثلاثين عاما،
1=عجز الدولة عن ترسيخ مفهوم المواطنة، لإمعانها في نجدنة الشعب ووهبنته، ولأن علاقة بعض أفراد الأسرة الحاكمة بالشعب علاقة راع يسوس رعية بعصاه:
إن جميع أعضاء الجمعية من نجد، من المنطقة الوسطى، ومن أتباع دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب على الخصوص، والمذهب الحنبلي على العموم، ولكن هذه الانتماءات لم تحجب عنهم إخلال الحكومة بمفهوم المواطنة.الذي أنتج اختلالات شتى، إذ لم تقو الحكومة روح المواطنة، بل مارست الحكومة تفضيل المنطقة الوسطى على الأقاليم الأخرى، فالناس في المناطق غير النجدية يشعرون أن الدولة سودت العنصر النجدي عليهم، وسودت العادات النجدية، فصارت العرضة النجدية، شعارا لابد أن ينسجم معه كل سعودي، واستأثر العنصر النجدي بالمناصب، في جميع المناطق.
كما مارست الحكومة تفضيلا للمذهب الحنبلي على غيره من المذاهب، فاستأثر التيار الحنبلي بالمناصب الدينية والقضائية، فانصبغت الدولة بالصبغة المذهبية والإقليمية الضيقة، بديلا عن الصبغة الإسلامية الواسعة، وتعاملت الحكومة مع الفوارق الثقافية والاجتماعية والدينية والإقليمية، بروح الذي يريد أن يمحو الخصوصيات، فأسهم هذا في إضعاف قيم المواطنة، بين أقاليم ذات فواصل جغرافية، وعادات وأعراف راسخة، ليس من السهل القفز فوقها.
وأخلت الدولة بمفهوم الدولة الحديثة:
فلا برلمان
ولا قضاء مستقل
ولا تجمعات أهلية
ولا حقوق سياسية
لا أحزاب سياسية
لا جمعيات أهلية
لا تداول للسلطة
ما مثل بعض أفراد الأسرة الحاكمة في أمور الشعب إلا كمثل أيتام وكلوا رجلا، ليستثمر مزرعتهم وينفق عليهم، فصار يختلس خمس ريعها لأولاده، وخمسه في نفقات وهمية، وخمسه في شراء أسواط يؤدب بها الأيتام، وخمسه للمحامين عن استبداده وإفساده ذمم عمالها، ولا يعطى الأيتام إلا خمس الريع، مغموسا بالتسويف والذلة والتحقير، وكأنه يتصدق به عليهم.
2=ضعف مصداقية بعض الأمراء، الذين تقاسموا إدارة البلد، وكأن البلد شركة عائلية،وكلما ازداد وعي الناس بحقوقهم ازداد المتنفذون بطشا بهم:
الشعب صار لا يثق بأقوال معوقي الإصلاح، لأنه جربهم، فهم يعدون بإصلاح التعليم فيزداد التعليم فسادا، ويعدون بإعطاء الفقراء أراضي مطار الرياض السابق ، فإذا بهم يتقاسمونها بينهم، وينشئون لجنة لحقوق الإنسان فيلحقونها بوزارة الداخلية، والداخلية هي الجهة المتهمة بهتك حقوق الإنسان.
ويقولون إنه لا تعذيب في السجون، ولا معاقبة على التهمة، وأقارب السجناء يجأرون ويصرخون، وحين يعتصمون أو يتظاهرون تنكل بهم الداخلية نكالا شديدا، وتنكل بذويهم في السجون، حتى يصبح الصمت والجنون سيد أخلاق السجون.
يعاني الشعب في جميع المناطق، ولاسيما الأطراف، من اختلال ميزان العدالة بين الأقاليم،ويئن في جميع المناطق، تحت شدة وطأة الفقر والتمييز الطبقي والإقليمي والقبلي والظلم، وكثرة الضرائب والرسوم على الخدمات العامة، وكثرة عدوان كبار الأمراء وحواشيهم، على أراضي الشعب، ونهب أمواله، إضافة إلى استئثارهم بالمناصب.
وأكثر الناس يائسون وقانطون، ويسيطر عليهم الإحباط، لتراكم السخط والظلم والتهميش والاحتقار.
إن القاعدة الذهبية في علم السياسة أن الناس يسخطون من كل سياسة تمس مصالحهم حتى ولو كانت عادلة، وهذا مفهوم في السياسة الشرعية لا يفهمه معوقو الإصلاح الذين يقولون ولي الأمر أدرى بالمصلحة من محامي الاستبداد وسدنة الظلام. فإشراك الناس في السلطة هو أساس رضاهم، وشعورهم بأنهم يحكمون أنفسهم، مهما كان للقيادة من المهارة، ومن حسن التصرفات، وهذا-وحده -هو سبيل عزة الأمة.
ومنذ تأسيس الدولة؛ وأمراء النهب والبطش يزدادون سرقة للمال العام، واستئثارا بمناصب الدولة، واستهتارا بالمصالح العامة، واستفرادا بالقرارات الكبرى،وبدأ تساؤل الناس يزداد بعد حرب الخليج:
لماذا يزداد النفط سعرا ونحن نزداد فقرا ؟.الجياع يتكاثرون، كما قال علي الدميني:
أفي بلد البترول مليون جائع؟
ولماذا التعليم يتردى والتربية تتهاوى؟.
ولماذا الأمراء يزدادون توا وعلوا وثراءا؟
وأهم من ذلك الكرامة، المواطن صار بلا كرامة، الأمير هو صاحب السمو الملكي؛ ينظر إلي المواطنين على أنهم: (رعية) و(خويا) و(حاشية) فالمواطنون هم أصحاب الدنو إذن.
ولأن الفئة المتنفذة من معوقي الإصلاح لا تريد إصلاحا، ازدادت خوفا، عندما ازداد الناس وعيا بحقوقهم، فازدادت بطشا، وكلما ازداد الناس مطالبة ازدادت قمعا وإرهابا.
ولإن الفئة المتنفذة من معوقي الإصلاح لا تدرى ما السياسة الحكيمة صارت تقول لمن يطالب بالإصلاح: هل نحن فاسدون؟
إن كل الناس في هذا البلد؛متأثرون بالأحداث العظام، التي تتابع موجاتها منذ أكثر من قرن منذ سقوط الدولة العثمانية، وحلول العصر الإمبريالي والصهيوني، ككوارث منطقة الخليج، وظهور نتائج المغامرات الخارجية، وتفاقم المشكلات الداخلية، ولاسيما إفرازات القهر والفقر، وما صاحب ذلك من وعي الناس بحقوقهم، في عصر الإعلام المفتوح.
وخاصة الناس وفيهم أمراء كثيرون وفقهاء وأساتذة جامعيون ونخبة في المجتمع الرسمي والأهلي لهم حس مستقبلي؛ يدركون شرط البيعة الأكبر على الكتاب والسنة:أن تصدر الحكومة عن قرارات نواب الأمة المنتخبين، أي أن تؤمن بمبدأ قوامة الأمة على الحكومة، ويدركون أن الإصلاح السياسي أصبح محتوما. إلا وزارة الداخلية، التي صممت على أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وضاقت ذرعا بكل من فتح فمه؛ بأي كلمة حق أو صرخة احتجاج، أو استخدم أي وسيلة سلمية، أمام سلطتها الجائرة، في مسجد أو صحيفة أو منتدى، أو قناة أو خطاب أو بيان.
3= أمراء الأسرة الحاكمة بين مؤيد للإصلاح ومتكالب علي الاستئثار بالسلطة والثروة
ليس من حق أحد أن يتدخل في خلافات أسرية، فلم تجر عوائدنا العربية على أن يسمح لمن هو خارج الأسرة بالحديث عن خلافاتها، قد يرى كاتبو هذا الخطاب أن الأسرة الحاكمة ليست مجرد أسرة عربية عادية، وأن هناك حاجة ماسة لنقدها، بينما يرى مستقبله أن الكاتبين تجاوزوا حدود اللياقة واللباقة، فما بالك بما يراه معوقو الإصلاح السياسي في الأسرة الحاكمة، والفاصل بين الصراحة في هذا الموضوع والبجاحة والوقاحة؛ رقيق دقيق، يمكن فيه الجمع بين الصراحة واللباقة؛ متى حدق الجميع النظر إلى الغايات العليا من الدخول في هذا الموضوع الشائك، وحاولوا أن يتجردوا من الذاتية، وركزوا على المضمون.
في الزمن القديم: في الدولة السعودية الأولى والثانية؛عندما هيمن منطق المصلحة العامة، تنازل بعض الأمراء للأفضل والأقدر، لأن الناس معهم، طوال فترات تاريخ الحكم السعودي، وعندما يوجد خلاف فإن الحاكم الشوري الأعدل ينجح ، وينحسم له ميدان التنافس، حتى عند وجود خلاف بين الأسرة، لأن الناس ملتفون حوله،كما حصل في بداية الدور السعودي الثاني.
وعندما يتجرد التنافس عن المبادئ، يصبح صراعا شخصيا حول المغانم الشخصية، يسود منطق الأثرة، ويهيمن منطق المصالح الخاصة، ويستفحل إلى صراع مكشوف، فينفض المجتمع من المشاركة، وتسود العضلات العسكرية، كالصراع الذي حدث في نهاية الدولة السعودية الأولى والثانية.
الأمراء كغيرهم من البشر؛ ليسوا جنسا ملائكيا مقدسا، بل فيهم الممتاز والجيد والرديء، وفيهم الراغب في مزيد من العدل وحسن الإدارة السياسية، وفيهم الراغب في مزيد من الثروة والسلطة، من دون حسبان، وفيهم الراغب في بقاء الأمور على ما هي عليه، غير مقدر أن الدولة أمام تغيرات المجتمع والعصر؛ بحاجة إلى التركيز على صيغة الحكم الشوري.
في ظل هذه القضايا نشير إلى بعض الملاحظات:
الأولى: لم يحافظ بعض الأمراء على القاعدة التي تعاقد عليها الشيخان: محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، وسعى إلى تجسيدها الملك عبد العزيز ، فحققت خطوات في اتجاه بناء دولة العدل والشورى. إن الأمام محمد بن سعود عندما تحالف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن مفهوم العقيدة-عنده- (التوحيد) محصوراً بالشق الروحي كالصلاة والصوم والحج، وتنقية العقيدة من بدع القبور.بل كان شق العقيدة المدني السياسي حاضرا هو إقامة الدولة العادلة، ونشر المساواة، وحفظ حريات الناس وكرامتهم وأموالهم، واستقلال البلاد عن هيمنة القوى الكبرى، حتى لو كانت إسلامية غير عادلة.
ولكي تقنع الدولة أن الخارجين عليها هم الضالون؛ عليها أن تلتزم بجادة العدل، الذي لا يتحقق إلا بصدور الحاكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين شعبيا، أما أن تضع مجموعة من الفقهاء، وتعتبرهم هم (أولي الأمر)، وتطلب منهم فتاوى تضليل حملة السلاح؛ فذلك مسألة نظريا مسألة فيها نظر، وعمليا أمر لن ينجح. لأن هذا هو أساس المشروعية.
فالناس لا تطالب بواجباتها حتى تعطى حقوقها، ومشروية قيام الحكم أيا كان؛ هي إقامة ميزان العدالة، وحفظ حقوق الناس المدنية والسياسية.
ولذلك رفض الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يستمر جدكم في أخذ عشر محصول الدرعية وقال: “سيعوضك الله خيراً”.
تذكروا-إذن- يا خادم الحرمين أن حفاظكم على العدل وحريات الناس هو الذي ينصركم , وأن ميراث العدل وسمعة أجدادكم بالعدل والتسامح كانت أهم أسباب قدرة والدكم الملك عبد العزيز على توحيد الجزيرة خلال أربعين عاماً , بينما وقف جدكم محمد بن سعود أمام بلدة صغيرة كالرياض-آن ذاك- أربعين عاما، لأن الرصيد لم يكن قد تكون.
وعندما قاد الملك عبد العزيز كتائب توحيد البلاد، والبلدان انفتحت أبوبها له لا بالسيف وحده, كما يتبجح بعض من ورثوا الملك اليوم، أولئك الذين لم يتعبوا لا في جمعه ولا في حفظه، ولم يدركوا لا كيف تجمع، ولا كيف يتبدد، بل أدرك الملك عبد العزيز ذلك بسمعته وميراث أجداده بالعدل والتسامح قبله، والتفاف الناس حوله، كان نتيجة العدل وشيء من الشورى، ولم يكن بالسيف، وبذلك كان فتح بريدة وفتح الأحساء وفتح المدينة وغيرها إلى الدولة السعودية. والملك عبد العزيز كان ذا نزعة استقلالية، وبالنزعة الاستقلالية وحدت الدولة السعودية نجداً وسائر الأقاليم الأخرى, ولذلك أحبه أهل نجد.
وهاهم بعض الأمراء من معوقي الإصلاح اليوم يبددون هذا الرصيد!!! الذي ورثوه عن الأجداد
ما أساس مشروعية الحكم؟صدور الحاكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين هو أساس الحكم أم السيف الأملح؟
كان جدكم عبد الرحمن الفيصل يدرك أن العدل والتسامح أساس الملك، وأن الظلم والقمع مؤشر زواله، ولذلك قال قولة معروفة : ما دام محمد بن عبدالله آل الرشيد في الحكم فلن يكون لنا سلطان، قيل له لماذا؟ قال لأن محمد الرشيد عادل متسامح، لن يكون لنا ملك حتى يأتي من بعده حاكم ظالم مستكبر.
السيف الأملح , لم يحكم به الملك عبد العزيز, السيف الأملح والقمع إنما هو للمجرمين والسراق والمفسدين, وليس للعوائل والبيوت والمدن الحرة التى تريد أن تعيش مرفوعة الهامات، محفوظة الكرامة.
4=أين الأمراء الدستوريون بقيادتكم من تراكم المشكلات:
إن المأزق الذي تعاني منه الحكومة طبيعي،وهو تراكمي، فقد استمر الجمود والركود والاستبداد، ولم يواكب النظام السياسي التطور العالمي، ولا نمو السكان، بأي خطوة جدية في الاقتراب من مفهوم الإدارة السياسية الحديثة، الذي أساسه الحكم الشوري، وهاهي اليوم البلد الوحيد في العالم الحديث، الذي يحكم من دون (نظام دستوري) يضمن مبادئ العدل والشورى.
بل إنها تقع في مغالطة ؛ حين تذكر-في نظامها الأساسي- أن دستورها الكتاب والسنة،وكيف يعتبر الكتاب والسنة دستوره من لم يطبق ما ورد فيهما من قوامة الأمة على الحكومة ووجوب تطبيق الشورى والعدل والمساواة.
كان لدى عدد من الأمراء وعي بتغير العصر والحاجة إلى التجديد، ولكنهم حرصوا على عدم الظهور بمظهر الاختلاف، مع أن الملك عبد العزيز سجل وعيه بأهمية التطوير والتجديد؛ في مواقف معروفة، من طرائف ذلك أن وجد كاتبا يكتب على جدار قصره:
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل (مثل) ما فعلوا
فأمر كاتبه بحذف كلمة (مثل) وكتابة كلمة (فوق)، أي نبني فوق ما فعلوا, هذا هو منطق القيادة السياسية الواعية، وكل الذين نجحوا في التاريخ كانوا يعرفون كيف يأتون بأفكار عملية تناسب زمنهم، فيضيفون ما يحتاج إلى إضافة, ويبتكرون حلولا عملية جديدة، للنجاح أمام تضاريس جديدة.
أخطأ أفراد الأسرة الدستوريون -أي الراغبون في الإصلاح السياسي بقيادتكم -قبل أربعين عاما خطأ كبيرا،عندما لم يصروا على مطالبهم الدستورية فالحكم ليس مجرد وقف موروث، بل هو تجديد وحيوية، الماء إذا ترك من دون تصريف، هبط من الأعالي إلى الأسافل، هذا هو قانون التغير، قانون الحياة الثابت هو التغير والتطور، وهذا يحتاج إلى جهد جهيد، كما أن الماء لن يرتفع من الأسافل إلى الأعالي؛ إلا بمضخات ورافعات. كذلك ترك الأمور تجري على أعنتها، دون حزم ولا تخطيط، ينحدر بالناس إلى طريق الكارثة.
نموذج ودليل على ذلك: سقوط في الأدوار السعودية الأولى هو الاختلاف، كما يحلل مؤرخ كابن بشر ونحوه من من يقرأون حركة الحدث الظاهرة، وليس ما ذكره أمثاله صحيحا. بل لأن الخلاف والصراع كان شخصيا بحتا، فالمتصارعان يتسابقان على نهب أموال الأمة، أو التفريط بشرفها،وبعزتها وهيبتها.
وكذلك الأمر اليوم؛ فإذا وجد في القيادة جناحان: جناح يكره العدل ويحب القمع، وجناح يريد العدل ولكنه لا يتخذ له وسائله المعروفة في كل مكان: الشورى الشعبية، والتجمعات الأهلية، فالنتيجة واحدة وإن اختلفت المناهج، فسواء اختلفا أم اتفقا. هذا بسكوته وذاك بقمعه يفتحان الدرب أمام أعظم الكوارث في الأمم، لا تحتاج الحكومة التي لا تثمن الشورى الشعبية إلى قرار، بل يكفي مواصلة الإهمال والتسويف وترك الأمور كي تجري على عواهنها.
النتيجة واحدة سواء اختلف الفريقان أم اتفقا. مادام الأمراء الدستوريون، لا يخطون خطوات نحو الحكم الدستوري.
5=القضاء على الأشكال البسيطة من المجتمع الأهلي المدني:
كانت لدى الملك عبد العزيز جوانب إصلاحية ، كانت هي سر نجاحه، فلم يتخذ التضييق على الحريات سياسة منظمة، وسعى إلى تطبق مبدأ المساواة، ولم يشتت تجمعات المجتمع الأهلي، فلم يحول المساجد إلى مؤسسات رسمية، تسيطر وزارة الداخلية على كل كلمة تقال فيها، وتعين أئمتها ومؤذنيها، وتوجه خطباءها في ما يقولون ويتركون، فتحولها إلى منبر سياسي يدعو فيه الأئمة لها بطول العمر، ويحملون بطانة الحاكم موبقاته ويروجون لسياسة وزارة الداخلية القمعية، ويلعنون الفرق الإسلامية، ويبثون التشنج، ويقدمون للناس توحيدا لا عدل فيه ولا شورى ولا حسن إدارة ولا مساواة ولا تعددية ولا حرية رأي وتعبير وتجمع.
وكانت حرية الصحافة في عهد الملك عبد العزيز أفضل من ما كانت عليه في العهود التالية، ومن يقرأ صحفا كـ(صوت الحجاز) و(القصيم) يجد الفرق بين صحف الأمس واليوم.
الملك عبد العزيز كان يختار الولاة العادلين، ويحترم تجمعات المجتمع الأهلي، فقد أعطى كلا من أهل بريدة وأهل الجوف وغيرهم ورقة مختومة بختمه، يقرءون فحواها: “اذهب إلى معزبك”. وقال لهم أبرزوها في وجه كل أمير يظلم أو يستبد بأموركم أو لا يحترم رأيكم أو يخطئ خطأ كبيرا.
بدأت الحكومة تقرض المجتمع الأهلي ولاسيما المدني، منذ عهد الملك فيصل قطعة قطعة، وكلما ابتلعت قطعة، شرعت في قضم أخرى. وشيئا فشيئا قضت الإدارة المركزية على الأشكال البسيطة من الاستقلالية ومن تجمعات المجتمع الأهلي، مدنية وغير مدنية ، كالتجمعات القبلية والقروية، وصادرت إرادة الناس في مراقبة أداء أمراء الأقاليم والقرى.
وصارت كل الأمور وراثية، حتى في المراكز الصغيرة، حتى في إمامة المسجد، ومأذنته.وفي ذلك غفلة عن نشوء فئات من المجتمع المدني، كالحرفيين والتجار، والمدرسين، والمحامين، والصناعيين والاقتصاديين، والكتاب والصحفيين، وهي فئات تشكل قوام الطبقة الوسطى وتحتاج إلى أن يسمح لها بالظهور، بصفتها تجمعات مدنية، قامت على أنقاض التجمعات الأهلية القديمة.
كانت نتيجة تهميش التجمعات الأهلية، وضرب القوى الجديدة الناشئة؛ ضياع الشورى، ومن أجل ذلك لا بد من اهتزاز ميزان العدالة، في كل حكم لا يطبق شرط البيعة على الكتاب والسنة الأكبر؛صدور الحاكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين، فيستبعد شورى الأمة الشرعية.
نسي الأمراء مبادئ العقيدة السياسية في الإسلام، الذي استعانوا به لتوطيد الحكم، فتسابقوا في نهب أموال الأمة وأراضيها ، بأساليب مباشرة وغير مباشرة، وعجز الأمراء الدستوريون عن الحد من هذه الظاهرة؛ لأنهم لم يركبوا سنة الإصلاح السياسي في كل مكان وزمان، وهذه السنة تقتضي صدور القرارات عن نواب الأمة المنتخبين، الذين يقدمهم الناس فيهم، ويرضون بهم أهل حل وعقد، يصدر عنه الحاكم أيا كان وصفه، في الإدارة السياسية.
6=انتهاك مبدأ قوامة الأمة على الحاكم بثنائية الأمراء والفقهاء: الشيوخ والمشائخ/
اختزلت الحكومة قوامة الأمة على الحاكم منذ زمن بعيد بثنائية الأمراء والفقهاء، كان تحالف الشيوخ والمشائخ في البداية من عوامل قوة الدولة وتوحيد البلاد، الشيوخ والمشائخ كانوا في بداية الدولة السعودية الثالثة حلفاء على الخير، عندما كانوا إصلاحيين مجددين فعالين، ثم طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، و انحرفوا عن مقاصد الدين الكبرى، واختلفت الظروف العالمية؛ فصاروا من عوامل ضعفها وتراكم الظلم وتفاقم الاستبداد. وظل تيار المشائخ(الفقهاء) القابعين يقدم الدين سلسلة من المحرمات والمحظورات، والجهل بالعالم، وضرب حقوق الإنسان بحقوق السلطان، حتى أوصل تحالف الشيوخ والمشائخ معا الأمة والدولة إلى غاية الإحباط، بل أدى إلى اختزال مفهوم الدولة بالحكومة، ومفهوم الحكومة بولي الأمر، الذي عمم ليشمل كل أمير.
قاد تحالف الشيوخ المحافظين والمشائخ القابعين البلاد إلى المأزق: فصار المشائخ في الغالب حلفاء الشيوخ في التفريط بمصالح الأمة، لأن أكثر المشائخ من دون بصيرة سياسية، ولا اطلاع كاف على ضخامة التغير في المجتمعات الحديثة، وإفرازاته.
واستدرجوا إلى الدخول في فتاوى سياسية، لم يحققوا فيها مناطها، ولم يدركوا نتائجها، ولم يحافظوا على قوة الحكومة، ولم يدركوا مآل فتاوى الاضطرار، كالفتوى الشهيرة بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية، التي أطلقوا لها العنان، دون أن يشترطوا أن تشرع الحكومة بإصلاح سياسي فور انتهاء الحرب، تتحول به الحكومة إلى مفهوم الدولة.
وأنى للمشغولين بسبك خطاب غلو ديني، جعل شغله الشاغل لعن الفرق الإسلامية على المنابر، والحث على إعطاء الحاكم حقوقه، من دون تذكيره بواجباته؛ أن يدركوا ما هو الدستور، بل استخدمهم الأمراء النهابون والقمعيون من أجل قمع الإصلاحيين الدستوريين. وظلوا-ولا زالوا-يستدرجهم الأمراء النهابون والقمعيون إلى أمور لا يحسنونها، ففقدوا جزءا عظيما من مصداقيتهم.
وكانوا غالبا في صف إطلاق يد “ولي الأمر” ، في أموال الأمة ومقاديرها، فعظموا حقوقه، وصغروا حقوقها، وطالبوها بالطاعة، ولم يطالبوه بالصدور عن قرارات نوابها المنتخبين، وصوبوا رأي الحاكم، واعتبروا اجتهاده حاسما كل نزاع، وخطأوا رأي الأمة، ولم يدركوا مغزى قول عمر بن الخطاب:”أخطأ رجل وأصابت امرأة” صارت فتاواهم غطاءا شرعيا، لأمور حسمها الأمراء النهابون والقمعيون بليل، فهمشوا الرأي العام، وضايقوا المجتمع. ونفذ القضاة منهم أوامرهم التي أقطع بها الأمراء والحاشية والمحاسيب؛ لباب أراضي الأمة، في مراكز المدن ونفائس الشواطئ.
وبرر المشائخ لتيار المحافظة من الشيوخ، وأد لجنة حقوق الإنسان قبل بضعة عشر عاما، فضربت الحكومة لجنة حقوق الإنسان بخطاب ديني، وسجنت أعضاءها، فشارك المشائخ في قمع حقوق المواطنين، فلما استجابت الحكومة للمناداة الدولية، وأنشأت لجنة حقوق الإنسان، عاد المشائخ في مقولاتهم يؤكدون للناس أن حقوق الإنسان من الإسلام.
ووظفت الحكومة الفقهاء المفرطين في القضاء، فصار القضاء سلاحا من أسلحة قمع الرأي والإصلاح، يسند ارهاب الحكومة ، فاعتبروا كل كلمة في أوراق، أو محاضرة في رواق، من الفتن ومن عصيان ولي الأمر، وأقروا تعذيب المتهمين، بل وفوق ذلك قبلوا اعترافات تنتزع أثناء التعذيب، ورؤساء القضاة يقولون: إن الإسلام يمنع التعذيب. والإسلام حقا يمنع التعذيب، أما هم فقد قرروه ونصوصهم موجودة، وقبولهم اعترافات تنتزع تحت التعذيب معروفة. وأصدروا عقوبات شديدة القسوة والظلم باسم الشريعة، فأخلوا بحقوق الإنسان التي شرعها الإسلام قبل أربعة عشر قرنا من تنادي هيئة الأمم المتحدة إليها.
إن معوقي الإصلاح دعموا الفقهاء الذين يحرسون الاستبداد والتخلف، فشاركوا الحكومة في كل خطوة لقمع الأمة، عبر الخطاب الديني المنغلق، الذي يرفض حقوق المرأة، ويرفض الانفتاح ويحول الإسلام إلى سلسلة من المحرمات والمحظورات، والجهل بالعالم.
كانت نتيجة تهميش التجمع الأهلي، أن تحكم الأمراء بالمجتمع، من خلال المشائخ، وكانت الكوارث، ومن نماذجها أن الأسرة لم تدرك أن قرارا كقرار إدخال القوة الأمريكية؛ لا يجوز أن تتخذه الأسرة وحدها، ولا يكفي أن تحشد له فئة من الفقهاء الموظفين، بل ينبغي أن يتخذ من ممثلين للشعب، ليكون الخطأ فيه أو الصواب مسئولية وطنية مشتركة.
إنه نموذج على مخاطر إدارة دفة الحكم من دون صدور الحاكم عن قرارات ممثلي الأمة المنتخبين، يدل على سوء تقدير بعض أفراد الأسرة، لنتائج قرارهم الاستعانة بالقوات الأجنبية خلال حرب الخليج، وتسابقهم إلى البحث عن دعم خارجي، من دون استشارة الناس، أخل بسمعتهم وسمعة العائلة الحاكمة، وعلماء المؤسسة الدينية الرسمية معا، فتحملت القيادة السياسية مسئولية التفريط بمصالح الأمة العظمى، فتآكلت شرعية المؤسستين معا، وبددتا رصيدا ضخما بناه لهما الجيل السابق من الفقهاء والأمراء.
7=القضاء صار أداة لتشريع انتهاكات حقوق الإنسان ولاسيما المتهم والسجين:
وسيطر الأمراء على القضاء، فتحول القضاء إلى أداة من أدوات قمع حقوق الإنسان، وصدور أحكام قاسية على دعاة الدستور(الإسلامي) الثلاثة، بالسجن ست سنين وسبعا وتسعا، برهان مبين على أن قبضة وزارة الداخلية وبصمتها ورسالتها واضحة: لا حقوق لدعاة حقوق الإنسان، فكيف يرجي من قضاء يفترس دعاة حقوق الإنسان؛ أن يحامي عن حقوق المستضعفين.
ومن ذلك اعتراضاتها على تقديرات بعض القضاة للعقوبات، وطلبها منهم إصدار أحكاما متناهية القسوة، وقد أذعن بعض القضاة لضغوطها، فأصدروا أحكاما شديدة القسوة، حكموا فيها بالسنين الطوال، ومئات الجلدات، على أعمال خفيفة عابرة، بل إن بعضهم حكم بالإعدام تعزيرا (لا قصاصا)، على الجراحة. وكل تلك الأحكام المخلة بما أنزل الله من عدل وإنصاف؛ تقدم باسم تطبيق الشريعة، وحماية الأمن الوطني.
ولم يثمن القضاة المحامون عن الاستبداد القيم المدنية والسياسية التي نهض بها الإسلام، ولم يدركوا أن العدالة والحرية جناحان لا تنهض الأمم من دونهما، وأن إقامة العدل السياسي والمدني والاقتصادي؛ إنما هما ركنان من أركان العقيدة -كما رسمها القرآن، وطبقها عهد صدر الإسلام- فاكتفى المشائخ بتطبيق جزء من العقيدة، وهمشوا أجزاء كثيرة، فلم يستطيعوا أن يأطروا الشيوخ عن الجور، فهونوا من قدر العدل، ولم ينبسوا ببنت شفة، وهم يرون أموال الأمة مهدورة، بل زادوا الطين بلة؛
8=إخلال الحكومة المنتظم بأعظم شروط البيعة الشرعية على الكتاب والسنة:صدور الحاكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين أسقط مشروعيتها :
إن تصرفات وزارة الداخلية؛ تجسد إخلالا خطيرا بالمفهوم الشرعي للبيعة على الكتاب والسنة، التي شرطها الأكبر أن الأمة هي القيمة على الحكومة، وليس العكس، وكأنها لا تدرك أن الشورى البرلمانية من أصول الدين الكبرى، وأنه لا بيعة شرعية، ولا تطبيق الشريعة دونها، وأن تلك مسألة قطعية في العقيدة، لا يشكك فيها إلا فقيه خادع أو مخدوع أو غافل، أو طاغية يؤثر هوى نيرون، على هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
بل إنها -من خلال كلام بعض منسوبيها- تتصور صراخ المستضعفين واستغاثة المظلومين ومطالبتهم بقوامة الأمة على الحكومة ؛ من الفوضوية والفتن، المخلة بالعقيدة وبتطبيق الشريعة،وبالوحدة الوطنية، وفوق ذلك -من خلال كلام بعض منسوبيها- تصرح في مقامات معلنة أمام الناس بأن المشروعية هي السيف، وبأنها ستخوض الدم إلى الركب، في المحافظة على الوضع السائد، القائم على قتل سلطان الأمة. فإذا كانت مشروعيتها(في الوصول)هي العنف والسيف، ومشروعيتها(في الاستمرار) هي الاستبداد والجور؛ فبم تبرر مطالبتها الفقهاء وأساتذة الجامعات وأهل الإعلام ودعاة الإصلاح السياسي بفتاوى دعمها ضد من جعلوا العنف والسيف سبيل التغيير ؟، وهي -من خلال كلام بعض منسوبيها وممارساتهم- شرط البيعة الشرعية الأكبر،التزام الحاكم بقرارات نواب الأمة المنتخبين، تنتهكه بقول وعمل علني صريح، لا مجال فيه للتأويل ولا التخريج.
الوزارة لا تدرك أن مثل هذه الأقوال والأفعال؛ أكبر هادم لمشروعية الدولة، وأكبر شاحن لبطارية العنف، ولاسيما عندما تصمم على تعطيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السياسي بالوسائل السلمية. متجاهلة أن ذلك ركن من أركان العقيدة العظام.
ومن أجل ذلك لا تدرك ذهنية معوقي الإصلاح المتحجرة أن أهم أسباب العنف هي الفساد السياسي، واستمرت على هذا المنوال موغلة في نمط (النظام البوليسي)، و في الإخلال بالمشروعية، حتى جاء البركان.
وعندما وقعت الواقعة ظلت تغالط الحقائق، فتنكر أسبابها، ولذلك ظل وزير الداخلية زمنا ينفي أن يكون 15 من مفجري أمريكا سعوديين!!، وعندما اعترفت بالواقعة ظلت تنكر أسبابها، ومن أجل ذلك لا تزال تحارب العنف، بالأساليب التي أنتجت العنف، على طريقة أبي نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم لإغراء=وداوني بالتي كانت هي الداء
والنتيجة أن يكون الحصاد مزيدا من العنف،على طريقة قول المثل: أراد أن يداوي العين فأعماها.
9=إنتاج الخطاب الديني المحرف الذي يخل بالمواطنة والتعددية والتسامح ويذكي التعصب والتقوقع والتطرف ويؤاخي التخلف:
ووزارة الداخلية ومن سار على نهجها من الأمراء النهابين والقمعيين تدفع بعض علماء الدين الخادعين والمخدوعين والغافلين، وتمكن لهم ماديا ومعنويا،مباشرة أو عبر تسللها في وزارات الشئون الإسلامية والإعلام أو التعليم العام أو الجامعات، ليبثوا خطابا دينيا في التعليم العام والجامعي يتسم بما يلي:
أ=قتل روح الكرامة في الشعب، إذ يدعو الناس إلى التفريط بحقوقهم، والصبر على جور الحاكم، من خلال مقولات تعتبر الصبر على انتهاك الحقوق هو سمة المؤمن الجيد، فالمؤمن الممتاز -في مدونات فقهاء الظلام-هو الذي يتنازل عن حقوقه ويقوم بواجباته، ويعتبر أن جور الحاكم قدر غيبي مكتوب لا حيلة للإنسان فيه إلا أن يدعو للسلطان بالهداية والعطف على الأمة والعدالة، إذ لا يجوز ولا حتى الدعاء على الحاكم الظالم، كما ينص كتاب(شرح الطحاوية) الذي يدرس في الجامعات.
وفوق ذلك يعتبر الخطاب الديني المحرف الذي تنشط الحكومة في تقديمه عبر المساجد والجوامع والمدارس والجامعات؛ أن ظلم السلطان إنما هو بسبب معاصي العباد، ومن أجل ذلك فعلى الناس التوبة من المعاصي-إذا اشتد ظلمه-لأن الله إنما سلطه عليهم بسبب ذنوبهم، ومن أجل ذلك فإن صبرهم على ظلمه، تطهير لهم من ذنوبهم، يؤهلهم للسعادة الأخروية.
وينبغي للمسلمين الجيدين-من وجهة نظر فقهاء الاستبداد الذين يدافعون عن جلاديهم- أن يتنازلوا عن كرامتهم الدنيوية، من أجل ضمان الكرامة الأخروية، وخير لهم أن يلقوا الله مظلومين من أن يلقوه ظالمين، لأن صبرهم على ظالمهم -كما نص صاحب كتاب الطحاوية المقرر في كليات الشريعة- رفعة لدرجاتهم وتكفير لسيئاتهم.
و أعوان الظلمة من فقهاء الاستبداد شغلوا الناس بشق العقيدة الروحي بديلا عن شقها المدني، فلم يحيطوا بما بين إقامة الصلاة والعدالة من الصلات، فلم يشدوا أزر الدولة في مسيرة الإصلاح السياسي، بل استخدمهم الأمراء النهابون والقمعيون من أجل تهميش الأمراء الدستوريين الإصلاحيين، وبالغ الفقهاء في التزام فقه سد ذرائع الفساد،حتى انسدت على الناس أبواب كثيرة من الفلاح.
ومن الطبيعي أن ينتج هذا الخطاب -في الأكثرية-شخصيات مريضة، تستسلم لجلاديها وتعاني من مرض استوكهلم، وأن ينتج -في الأقلية-شخصيات مندفعة مغامرة، لا تحسب للعواقب حسابا.
ب=تروج وزارة الداخلية -من خلال سيطرتها على وزارة الأوقاف-خطابا دينيا متقوقعا منغلقا، يبث الفرقة بين أهل القبلة، ولاسيما بين السنة والشيعة، ويلعن الشيعة وبعض الفئات الأخرى، ويخل بروح المواطنة، ويذكي روح التعصب الديني، و أعوان الظلمة من فقهاء القمع والتعصب حاربوا مبدأ التعددية والتسامح، -الذي نمذج تطبيقه علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم،- وسكوا خطابا مذهبيا يكفر الشيعة ويستعدي الطوائف والمذاهب الأخرى، ويتلى في خطب الجمعة والقنوت ضاربا عرض الحائط بسنن السلف الصالح في التعامل مع الطوائف والفرق، من أهل القبلة وغيرهم من مواطني الدولة الإسلامية، كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز
وهذه التصرفات تتناغم -ولعل ذلك سهوا- مع المخطط الصهيوني والأمريكي البوشي المتصهين ، الذي يريد التفرقة بين السنة والشيعة، من أجل تمزيق الدول العربية، وإنشاء دويلات مذهبية، على أنقاضها، وتستثمر بعض علماء الدين من الخادعين والمخدوعين والغافلين، المحافظين على رسوم الدولة المذهبية، لكتابة فتاوى وكتب على غرار(وجاء دور المجوس).
وهي تشغل من خلالهم الناس بثانويات الدين عن أساسياته، فلم يشغلهم أثناء غزو العراق الكويت إلا هل تسوق المرأة السيارة أم لا تسوق؟، ولم يشغلهم أثناء ضرب الأمريكان العراق إلا هل يستقل تعليم البنات أم يضم إلى تعليم الذكور؟.
ج=وتنشئ خطابا دينيا محرفا آخر لا يؤمن بمبدأ (المشاركة الشعبية)، بل يحمي الاستبداد، و تيار أعوان الظلمة من فقهاء الاستبداد يشيع بين الناس أن سلطة الأمة واستقلال القضاء وكون القاضي وكيلا للأمة، وقيام التجمعات الأهلية، ليست من هدي الإسلام، ولا من سنن السلف الصالح، وينكر أن هذه الأمور من صلب أصول العقيدة القطعية، باعتبارها من وسائل تحقيق مبادئ السياسة الشرعية، كالكرامة والمساواة والتعددية، والعدل والتعايش والشورى والحرية.
د=وتدعم خطابا دينيا محرفا آخر؛ يصادر حقوق المرأة الشرعية، ويحمي القهر والفقر والتخلف، و أعوان الظلمة من فقهاء التخلف قدموا الإسلام ظهيرا لنمط جديد من أنماط وأد المرأة، يتجافى عن سنن السلف الصالح، في العهد النبوي والراشدي، ويصادر حقوقها باسم الإسلام والسلفية، وكأن وزارة الداخلية تريد أن تكون سلفية أكثر من السلف الراشدي الصالح.
وهي تتحالف مع الفقهاء المخدوعين والغافلين، لا من أجل الحفاظ على الأخلاق الذي يقصدون، -وهم مأجورون على اجتهادهم-، ولكنهم عن كواليس السياسة وأولويات الشريعة غافلون. بل لأنها تريد أن يبقى نصف المجتمع مشلولا، وفق نظام (الحريم والجواري) من جانب، ولأن نيل المرأة حقوقها، عامة والسياسية خاصة، يمكنها من تربية أجيال حرة أبية، تطالب بحقوقها الشرعية، وترفض التفقير والتحقير.
هـ= وترعى الداخلية خطابا ما ضويا، يذكي التطرف والتقوقع والتخلف، وتستخدم هذا الخطاب وعظيا في قنوات التوجيه والتعليم، وقضائيا في تجريم المخالفين والمطالبين بحقوقهم. و أعوان الظلمة من فقهاء الاستبداد غلوا في التكفير والتبديع، واعتبروا الاجتهاد السائغ في فهم أصول الدين بدعة أولا، ثم اعتبروا البدعة فسوقا ثانيا، ثم حكموا بقمع ذلك الاجتهاد ثالثا، وتركوا بدع الاستئثار بمال الأمة وحياتها، وقيمها وتربيتها، ورفضوا ضمانات الحكم الشورى (الإطار الدستوري)، فأسهموا في ضياع حقوق الإنسان ثقافية واجتماعية واقتصادية فضلا عن السياسية.
ووظفت الحكومة المؤسسة الدينية لقمع العدل المساواة وسلطة الأمة وحقوق الإنسان ولا سيما السياسية، بخطاب ديني ظاهره طاعة الله ورسوله، وباطنه طاعة الطغيان. صاغه متزمتون من “المقتسمين، الذين يجعلون القرآن عضين”، فيؤمنون ببعض الكتاب، وما فيه من أمر بالصلاة والزكاة والصيام والعفة، ويتركون بعضا آخر،فيه أمر بالاحتساب على كل منكر، وأمر بقصر الحاكم على العدل والشورى قصرا، وأطره عن الظلم والاستبداد أطرا.
وعمت الغفلة عن معالم السياسة الشرعية؛بسبب زلات علماء الدين الغافلين، الذين نحسبهم -وفقهم الله-من الصالحين في أشخاصهم، ولكنهم لم يطلعوا اطلاعا كافيا على أحوال الأمم الحاضرة، وليس لديهم فقه سياسي،من أجل ذلك شارك الجميع من رسميين وغير رسميين، في إيصال الأمة إلى هذا المأزق، عندما ركزوا الدين على إقامة مناسك، كالصلاة والصوم ونحوها، وهمشوا إقامة الممالك، وما يلزمها من عدل وشورى، وضماناتها وهياكلها كالقضاء المستقل والتجمعات الأهلية المدنية.
10= لم بستوعب أمراء القمع والتعذيب كارثة الخليج:
التدخلات الأجنبية كالجراثيم لا تغزو إلا الجسد المريض:
بدأت الضغوط الأجنبية والأمريكية منذ عقود، غير أن وطأتها بدأت تثقل منذ احتلال العراق الكويت, ومن الواضح انها ستتضاعف وتتفاقم في المستقبل، وستمارس ضغوطا وتدخلات،تحت عناوين مختلفة، أهمها عنوان محاربة العنف،وفي مجال حقوق الإنسان، وإصلاح التعليم الديني، وحرية الرأي والتعبير، والإصلاح السياسي.
والأمريكان من قبل كانوا يكتفون بأن يؤيدهم كل حليف في سياستهم الخارجية، ويتركون له التصرف في أموره الداخلية، ولكنهم اليوم قد حسموا أمرهم على التدخلات، ووجدوا في الأنظمة القمعية الظالمة صيدا سهلا، يرهبونها به، ويرغبون الشعوب في ثقافتهم. وهذه المرة قد حسموا أمرهم على أن الدفاع عن مصالحهم يتطلب التدخل المباشر في الشئون الداخلية، وهم يطبقون مثلا شائعا في ثقافتهم”لا تدع مجالا للمخاطرة”، أو لا تدع مجالا للصدفة، وفي هذه المرة لن تسلم الجرة فهناك مصالح للغرب لا يمكنه أن يتنازل عنها اليوم.
وستتواصل ضغوط الأمريكان، التي تستغل السلبيات الكثيرة، وتوظفها وتستثمرها، الأمريكان سيفرضون علينا أمورا، تخل بالسيادة، كتعديل مناهج التعليم, وإذا كانت الدولة ستستمر في الاستجابة إلى مطالبهم، فإنها ستظهر دولة ضعيفة أمام مواطنيها، وسيشعر المواطنون بالامتنان لأمريكا، إذا بدت أمريكا للناس-في ظاهر الصورة بصرف النظر عن الحقيقة- أنها هي التي سترفع عنهم كاهل القمع وما جره من ظلم منظم، وهذا أمر يزيد الدولة ضعفا على ضعف.
أليس من الأولى لنا إذن أن نصلح أنفسنا طوعا، قبل أن يصلحنا الآخرون جبرا؟، لكي لاتبدو كل خطوة إصلاحية أمام الناس، وكأنها استجابة لضغوط أو شروط خارجية.
كيف يفهم المواطنون خطوة وزارة الداخلية في إنشاء لجنة رسمية وأخرى أهلية لحقوق الإنسان، تستعين لتسويغ إنشائها بخطاب ديني؟ فيعلن العلماء:أن لجان حقوق الإنسان ليست ضد الإسلام، ووزارة الداخلية هي التي بالأمس اعتبرت لجنة حقوق الإنسان جريمة سياسية، وظل محامو الاستبداد من فقهاء الظلام -خلف وزارة الداخلية- يعتبرون حقوق الإنسان بدعة علمانية مخلة بالعقيدة!، وتحت هذا الشعار ضربت لجنة حقوق الإنسان قبل سبعة عشر عاما
مناهج التعليم عامة والديني خاصة طالب المثقفون بإصلاحها، على منهج التعليم الإسلامي المتنور المنفتح العملي الحر، فلماذا لم تقبل الدولة بإصلاحها إلا عندما ضغط الأمريكان؟.
القضاء يعاني من مشكلات كثيرة، تحد من استقلاله وتنفيذ أحكامه، أهمها غياب الشفافية والوضوح، بسبب عدم تحديد قواعده وتوحيدها وتدوينها وإعلانها، أفلن تقبل الدولة بتعزيز استقلاله إلا بضغوط أمريكية؟.
11= لم تقم الحكومة بإصلاحات سياسية تدل على أنها تؤمن بحقوق الشعب السياسية: بل رفضت فكرة الدستور اليوم كما رفضتها قبل أربعين عاما:
من واجبنا أن لا نقلل من قدر جهود المخلصين , وأن لا نغمط فضل الفضلاء, وأن نعترف بحماسة العديد من الأمراء للإصلاح، ولكن مع ذلك نحس بأن من واجبنا أيضا أن نفرق بين صلاح الأشخاص وصلاح المناهج والأفكار، لنتذكر بأن لصلاح الدولة معايير موضوعية، لا تحدد بأفق الرؤية الشخصية , ولا بصلاح الأشخاص الذاتي, وأن نقرر بوضوح ما يقوله علم الاجتماع السياسي من أن سكة الاستبداد , لا تفضي إلا إلى هاوية الفساد، فمن سار على سكة الشورى الشعبية؛ وصل إلى التنمية البشرية وهي غاية الرقي. ومن سلك سبيل الاستئثار بالرأي والإدارة؛ وصل إلى البطالة والمحسوبية والرشوة.
هذه خلاصة تاريخ هذا البلد منذ أربعين عاما: أعوام الاستبداد حبلى , بالفساد , وهذا هو موسم الحصاد.رغم وجود الصالحين والمتحمسين للإصلاح، لكن الإصلاح ليس عواطف وخطبا وتصريحات، ولا سيرا في أي طريق يراه الفرد صالحا، بل سكة مأثورة، من عرفها وسلكها وصل، ومن جهلها أخفق ولو كان له من الفضائل الجم الغفير. فإذا أراد الخيرون الإصلاح , فينبغي أن يتجاوزوا صلاح الأشخاص إلى صلاح المؤسسات.
لو استطاعت الأسرة قبل أربعين عاما: أن تلتف حول الدعوة التي تنادى إليها نخبة من الأمراء-بقيادتكم-، الذين أدركوا المستقبل بعيون الزرقاء، عندما دعوتم إلى تطوير نظام الحكم من المطلق إلى الدستوري، لكانت فرص بلادنا في التنمية أفضل، وكانت أبعد عن كثير من المشكلات، ولما وصلت الأزمة بالبلاد إلى الاستياء العام، الذي ليس العنف إلا واحدا من عشر علل من مضاعفاته وظواهره الأُخرى،كالبطالة والفقر،وهدر المال العام وسوء الإدارة والمحسوبية وفشو الرشوة والبطالة المقنعة، والأمراض النفسية كالكآبة والانتحار، وانتشار المخدرات والخمور، والزنا واللواط وأمراضها.
ولو تم ذلك لجنب الأسرة الحاكمة مسئولية عديد من الأخطاء الكبرى، التي وقعت فيها الحكومة،إن أكبر أخطاء الأسرة الحاكمة؛ هي انفرادها بتقرير مصير الأمة في الأمور الجليلة , وما وقعت فيه من أخطاء هي نتاج طبيعي لتغييب رأي الشعب، ولاستئثارها بالقرار , فخلال العشرين عاما , تدخلت الدولة في حروب الخليج , وآزرت العراق ضد إيران، ثم حاربت العراق، وتدخلت في شئون اليمن، وفي شئون البحرين وقطر والكويت، كل ذلك من أجل أن لا تهب عليها رياح(الحكم الشوري/الدستوري).
وساهمت امبروطورية النفط، في إثارة المتاعب لكل اتجاه شوري في الحكم، كما أسهم النفط في إنشاء إمبراطورية المباحث في الداخل، التي ملأت القلوب رعبا، فخاف الناس، ومشى المثقفون لو ذا، وضيعت أموال الأمة في قتل روحها وكبريائها، وتذليل الإنسان، وتحويله إلى قطيع، وظيفته أن يسمع ويطيع، ويجري خلف الراعي، الذي يقوده على أنغام الربابة، بصوت شجي خلاب إلى صحراء التباب.
12=(الدولة البوليسية) منتج طبيعي للعنف/ سياسة وزارة الداخلية القمعية هي السبب الرئيس للإرهاب الداخلي كما أن سياسة أمريكا-كما قال تشومسكي- أم الإرهاب الإسلامي
وانطلاقا من المفهوم البوليسي للأمن الوطني؛ ازدادت قبضة وزارة الداخلية الفولاذية بطشا؛ ومكنتها خبرتها أكثر من ثلاثين عاما في القمع السري والعلني، وسيطرتها على مفاصل الدولة كافة، من الإمعان في قمع الناس.
واستطاعت وزارة الداخلية بسلطتها المطلقة؛ أن تلجم كل من نبس ببنت شفة في صحيفة أو إنترنيت أو قناة أو مجلس، وصارت تلفق التهم وتشوه السمعة، وتضرب دعاة حقوق الإنسان والمحتسبين، من الخاصرة.
وصارت تنظر الناس من خلال نظارات محدودبة، فتصير كل حبة صغيرة قبة كبيرة، لكي يتنازل دعاة الحقوق المدنية والسياسية في المجتمع الأهلي عن الإصلاح، ويصير همهم الوحيد النجاة من السجون، والسلامة من رؤى الأشباح، واتقاء القمع السري والعلني.
وازداد تسلط الوزارة ضراوة، بمزيد من اعتقالات الإصلاحيين ودعاة المجتمع المدني والدستور،بالطعن من تحت الخاصرة، كما وقع للرعيل الأول من المحتجين وتيار (لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية) من أساتذة الجامعات الذين سجنوا بتهم التكفير والخروج عن طاعة ولي الأمر.
كما أنها تزداد إغراقا في نموذج (الدولة البوليسية)، من خلال تدخلات مكشوفة، تبرهن على أننا أصبحنا في دولة تحكمها المباحث، من دون ستار ولا مواربة،و صارت وزارة الداخلية تواصل انتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان، بتركيع الشعب وسلب كرامته وحرياته العامة، تحت عنوان الأمن الوطني!.
من أجل ذلك نود أن نقول على سبيل الجزم واليقين: إن ذهن وزارة الداخلية الديناصوري؛ وتغلغلها الأخطبوطي؛ هما أعظم عوامل الاختلال في الدولة، فهي المسئول الأول عن العنف والتطرف، وانتهاكات حقوق الإنسان المنهجية، و-أيضا-إن هذا الأسلوب المنهجي لتحقير الإنسان، وحمله على التنازل عن إرادته بخطاب ديني وإرهاب بوليسي معا، إنما هو جريمة ضد الإنسانية، وفق التعريف الذي اعتمدته الأمم المتحدة لمفهوم (الجريمة الإنسانية)، ولكنها جريمة إنسانية لا يدركها الذي يحصرون مفهوم حق الإنسان بالانتهاكات الفردية، الذي جسده الشاعر:
قتل امرئ في غابة=جريمة لا تغتفر
وقتل شعب كامل=مسألة فيها نظر
ثانيا= بطش الدولة بتيارات الاحتجاج السلمي وحركة المجتمع المدني السلمي الناشطة بعد حرب الخليج أنتج الاحتقان: وذلك أعظم أسباب العنف على الإطلاق:
1=تخوين المعارضة السلمية وسحقها قبل حرب الخليج:
المعارضة في كل بلدان العالم لها مكانها المحترم؛ فهي جزء ضروري في المشهد السياسي، يحفظ التوازن، أما في المملكة فليس في القاموس مكان للمعارضة؛ فالآخرون هم الجحيم؛ومن الطبيعي أن تولد الدولة التي لا تسمح بالمعارضة جميع ألوان الاحتقان والاحتجاج والاختناق والتصدع والعنف،وأن تفتقد المصداقية الشعبية.
والقوى المهمشة عندما تحتقن ثم تحاول أن تعبر عن نفسها، في نظام سياسي بوليسي لا يسمح بالمعارضة- يلجئها إلى العمل تحت الأرض،ثم حين تحاول الظهور،يفرط في استخدام العنف،فيلجئها إلى العنف دفاعا عن النفس، فينفتح الباب على مصراعيه للعنف والعنف المضاد.في جدلية العنف المتبادل.
إن أي نظام سياسي لا يسمح بالمعارضة مفلس لا مشروعية له.
المعارضون كانوا قبل حرب الخليج يتعرضون لتصفيات ، وفوق ذلك يجرمون دينيا، فهم قومبون أو اشتراكيون أو وطنيون، أي كفار ملحدون، وهم خونة عملاء مأجورون فاسدون.
2=قمع البيانات الإصلاحية
وجاءت حروب الخليج، وقد بلغ استئثار الحكومة بالقرارات الكبرى ولا سيما الخارجية من وراء ظهر الشعب غايته، وبلغ سوء التصرف بالمال العام درجة الإفلاس، وظهرت آثار التباين الفاحش بين قلة مثرية وملايين العاطلين والمهمشين والمحتقرين والمستضعفين، وكثرت الفواحش الأخلاقية.
وكشفت حرب الخليج الثانية سنة 1411هـ(1992م)، وتنامي العولمة الإعلامية، ضعف آلية القرار في الدولة؛ فنشطت تيارات الاحتجاج السلمي وحركة المجتمع المدني السلمي، التي تذكر بأن العلاقة بين الحاكم والشعب هي عقد سياسي، وأن البيعة على الكتاب والسنة لا تخول الحاكم الانفراد بالقرار والاستبداد والاستئثار بالسلطة والثروة، بل إن شرط البيعة الأكبر أن يطيع الحاكم نواب الأمة، الذين يمثلون إرادتها.
ونشأت تيارات تطالب بالعدل والشورى (الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان)؛ في حركات سلمية نشطة، شاركت فيها جميع الأطياف والاتجاهات والمناطق والشرائح والطوائف،مبادرة ومشاركة ودعما،بصرف النظر عن أساليب التعبير عن المضمون، أو دقة المصطلحات وشمولها، أو تشرذم البيانات والخطابات، أو فئويتها.
وظهرت التيارات من خلال بيانات سلمية كثيرة، منها خطاب المطالب الذي وقعه عدد من المحسوبين على التيار اللبرالي، وخطاب النصيحة الكبرى، التى وقعها 116 من الفقهاء وأساتذة الجامعات، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز، وظهرت مطالبات حقوقية، من خلال اعتصامات سلمية عديدة، منها اعتصامات ومسيرات بريدة الخمس واعتصام شمال الرياض، واعتصامات ومظاهرات عديدة في الدمام وجدة والمدينة ومكة والطائف والجوف والأحساء.
وكان القمع شديد الضراوة، بأساليب علنية وسرية.حتى الفئات المحتجة تجرم -وإن لم تكن قوى معارضة- بل مجرد تيارات تئن من الاختناق السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
3=ثالثة الأثافي تجريم دعاة حقوق الإنسان وتخوينهم:
(لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية)نموذجا:
وظهر من خلال ذلك محاولة إنشاء كيانات مجتمع مدني أهلية، أبرزها(لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية)، التي وقع بيانها ستة من الفقهاء وأساتذة الجامعات، وشارك في إنتاج اللجنة ونشاطها ودعمها، حوض إصلاحي قوامه عشرات من أساتذة الجامعات والمحتسبين والمهتمين بالشأن العام،من كافة الأطياف والمناطق.
من خلال قمع اللجنة يتجلى مكر وزارة الداخلية الرهيب الذي لم يبلغ شأوه أي حاكم قديم أوحديث:لم يكتف النظام السياسي بتجريم المعارضة السلمية، ولا بتجريم المحتجين الذين يطالبون بإصلاحات -بعد حرب الخليج-، بل تجاوز ذلك إلى قمع دعاة حقوق الإنسان، والناس في كل بلدان العالم يعرفون أن جماعات حقوق الإنسان؛ ليست أحزابا سياسية، وليس جماعات معارضة، إنماهي جماعات حقوقية، إلا في نظامنا السياسي، وطريقة ذبحها تجسد مدى العنف والقسوة، ووسائل التدمير المتبعة لقمع المجتمع المدني كما يلي:
اولا:بدأ سن السكاكين لذبح اللجنة بفتوى من هيئة كبار العلماء تجيز ذبح دعاة الحقوق:
فاعتبرت (لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية) فكرة علمانية على حد تعبير عديد من رجال السلطة العربية، الذين نمذجهم أحد كبار الأسرة الحاكمة السعودية، عندما حذر الأمير أحد المشائخ من رفاقه من أعضاء (لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية)،ناعتا إياهم بالعلمانية، ولذلك لم يكن غريبا أن يتهم أي نشاط من أنشطة المجتمع المدني، على أنه إخلال بالبيعة الشرعية، كما أملى أحد الأمراء من معوقي الإصلاح-في ما يقال-، على أحد المشائخ بيانه المنشور في الصحف الذي مضمونه:أعلن انسحابي من(لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية)، والتزم بالبيعة الشرعية.
واتهمت (لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية) بأنهاً تستوحي المؤثرات الأجنبية أي أنها فكرة علمانية “لا تحمد عقباها” على حد تعبير عديد من رجال السلطة الدينية الرسمية، في بيانهم الذي نددوا فيه باللجنة.ولم يكن إشكالها عند هؤلاء فحسب، بل إن عددا غير قليل من الناس سهل إغواؤهم، فلم يتفهموا أن حقوق الإنسان -وإن كانت مصطلحاً أنضجه الغرب -مفهوم إنساني وإسلامي أيضا.
ثانيا:الأمراء القامعون يقدمون دعاة الحقوق السياسية متخلفين وأصوليين داعمين للإرهاب في الإعلام الغربي والأمريكي
بل لفقد فهم آخرون غربيون ولبراليون ورسميون-بناء على مراكز الأبحاث والصحف الغربية التي اشتراها الخليجيون النفطيون من الأمراء النهابين والقمعيين؛أن مناداة (تيار الدستور والمجتمع المدني الإسلامي) بإنشاء ((لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية) ، إنما هي قناع وتكتيك سياسي، يتوسلون به إلى السلطة، لكي يعود بالمجتمعات العربية إلى القرون الوسطى.
ثالثا: السجن الانفرادي والتعذيب، رد فعل الدولة تجاه نشوء ملامح تجمعات المجتمع المدني، كان شديد العنف والقسوة، عنفا ماديا ومعنويا، وصل إلى درجة تلفيق تهم أخلاقية وجنائية في صكوك، والتهديد بتثبيت تهم اقتناء سلاح ملفقة، وتعذيب منهجي في السجون تعذيبا جسديا ومعنويا، وصل إلى تدمير النفوس والأجساد والعقول، وإلى أحكام قضائية قاسية.
ولعل السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي لا يكتفي بسجن دعاة حقوق الإنسان وتجريمهم قضائيا، بل لابد أن يشوههم دينيا وأخلاقيا واجتماعيا، من أجل إسقاط مصداقيتهم شعبيا(نظر:ثالثا من هذه المذكرة).
4=شل قيادات المجتمع المدني ومبادراتها التي هي صمام الأمان من الانفلات:
وعبر الوسائل السرية والعلنية؛ قتلت وزارة الداخلية الدور الريادي الذي تقوم به قيادات المجتمع المدني، من دينية وثقافية ، من عيون هذا البلد البازغة الحرة، و(أولي الأمر فيه)، من فقهاء ومحتسبين ووعاظ وأساتذة جامعات ومثقفين، ومعنيين بالشأن العام، ورجال إعلام وحقوقيين، صاروا (في نظرها)، رعاعا ودهماء وغوغاء.
وتوصلت عبر العمل الدءوب المنظم، خلال أكثر من 30عاما، إلى ابتكار وسائل قتل منظم، لشعور المواطن بالكرامة والمساواة والعدالة أولا، إلى ابتكار وسائل قتل منظم، لروح المبادرة والإصلاح، والاهتمام بالشأن العام، فكونت مخزون خبرة، تستفيد منه البلدان العربية القمعية كلها، في كيفية ترويض الفقهاء والعلماء، وتدجين الأحرار والمحتسبين والصحفيين، والقضاء على دعاة حقوق الإنسان والعدل والشورى.
وأوصلت-عبر وسائل القمع السري- إلى الجميع رسالة محددة: لينحصر كل منكم في شئون بيته وأسرته، وإن لا فلدينا مزيد من القمع السري، ماديا ومعنويا، قد يمتد إلى الأسر، وإلى ميادين العمل، بأطراف المباحث المتعددة، المباشرة المعلنة، وغير المباشرة التي قد تتقنع ملابس رجال الحسبة والتعليم والإصلاح، وتمتد إخطبوطا مخيفا، في جميع أجهزة الدولة، كالتعليم والمساجد والجامعات، وسائر الوزارات، ولا يتصور أن جهازا سلم منها، حتى هيئات الأمر بالمعروف والمخدرات، فضلا عن القضاء، الذي روض منذ زمن بعيد.
وبهذه الوسائل القمعية أسقطت وزارة الداخلية مصداقية الأعيان على العموم والفقهاء على الخصوص، بين تلاميذهم وأتباعهم والرأي العام، فبذرت-بيديها- جيلا متوترا مندفعا (بلا أساتذة)، تفجر العنف من بين أصابعه.
ألقاه في الماء مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء
5=وزارة الداخلية سجون التعذيب هي الحل :
وبدلا من الإصلاحات السياسية، التي تنم عن استيعاب كوارث الخليج، ملأت وزارة الداخلية السجون بدعاة الحقوق والمعترضين السلميين.
وخالفت هدي الشريعة في وظائف السجون، الذي حصرها بالتأديب والتعويق، عندما جعلتها للتضييق والتعذيب. فصارت السجون محاضن لإنتاج التمرد والأحقاد والتوتر، والجريمة والمخدرات، والأمراض النفسية والجسدية فكانت كمن يصب الزيت على النار،فازداد المجتمع احتقانا، وازدادت المشكلات تفاقما، لأنها لا تعرف ماهية المشكلة، ولا ماهية الحل أو تتجاهلهما.
كل الناس تحدد المشكلة: بأنها الفساد السياسي، الذي هو جرثومة كل فساد ديني أو تربوي أو أخلاقي، أو تعليمي أو اقتصادي أو اجتماعي، حقيقة بسيطة يعرفها طلاب أقسام علوم الاجتماع والسياسة، في السنة الأولى من الدراسة.
وكل الناس تحدد العلاج بأنه:الإصلاح السياسي،إلا وزارة الداخلية، التي تعلن بملء فيها:المشكلة هي فساد الإنسان، أما نحن فلسنا فاسدين حتى تنادوا بالإصلاح،وسنبدأ بكم يا دعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان، وستؤدبكم من خلال الزنازين الانفرادية وتعذيبها، ومن خلال تهم حيازة السلاح، ومن خلال التهم الجنائية، ومن خلال التهم الأخلاقية، قبل أن تكونوا رأيا سلميا عاما يضغط في سبيل الإصلاح السياسي.
وضج الناس من هذا القهر، وتنامى الاحتجاج العشوائي والمبصر، وتنامت المطالبة بالحقوق، فساقت إلى السجون آلافا من الفتيان والشباب والكهول والشيوخ.
وازدادت سيطرة وزارة الداخلية تضخما وتعاظما وسيطرة وتضييقا، وهيمنت على أجهزة الدولة عموما، وخاصة وزارة التربية والتعليم، وعلى وزارة التعليم العالي، وعلى المساجد والشئون الإسلامية وعلى الإعلام.
وتوهمت الوزارة أنها تقضي على حرية الرأي والتعبير بالأساليب العسكرية والبوليسية وحدها،غير مدركة أنها تزرع النبتة الخطيرة: العنف
وغير مدركة أن أي شعب يعاني من ثنائية الإهانة والإملاق، لا يمكن ان يستتب فيه أمن ولا وفاق، وأن ثنائية الكرامة والمساواة وتوافر الأرزاق، هي أساس الاستقرار في كل مكان وزمان.
تجاهلت الوزارة أن سبب الاستياء هو شقا الرحى: تحالف الأمراء النهابين والقمعيين
الأمراء النهابون هم شق الرحى(التحتي) الذي يطحن المساواة والعدل والشورى، فيظلم ويعبث بالمال العام ويستأثر بالإدارة، و الأمراء القمعيون هم شقها (الفوقي)الذي يطحن رأس كل من ينادي بالعدل والشورى، وينكر المنكرات السياسية. وكأنها لا تدرك أن سياستها القمعية سرية وعلنية هي العامل الأول، في تكوين الاستياء العام، عندما حصرت العلاج بالحل البوليسي العسكري؛ وكبتت الأصوات، فسقت الوزارة حشائش العنف وهي تظن أنها تحصد ظاهرة المطالبة بالحقوق، متجاهلة العلاقة الحتمية بين الضغط والانفجار.
إن تضخم دور وزارة الداخلية؛ ولا سيما منذ حرب الخليج الثانية؛ عجل بوصول الاستياء والاحتقان العام؛ إلى مستوى لم يصل إليه منذ أكثر من نصف قرن.
6=مؤشرات الاحتقان تقرير محسن العواجي عن بشاعة التعذيب قبل احداث 11 من سبتمبر نموذجا:
وصاح دعاة حقوق الإنسان بوزير الداخلية: اتق الله في الأمة، كما في تقرير الدكتور محسن العواجي عن التعذيب الرهيب، في سجون خادم الحرمين الشريفين: الملك فهد بن عبد العزيز!!، ولشناعة مافيه، وعجزنا عن اختصاره أرفقناه، ولنا سؤالان:
الأول: ماذا صنع وزير الداخلية تجاه هذا التقرير الخطير، هل أحال المتهمين إلى القضاء العلني، أم أنه هو ولي الأمر، وهو أدرى بالمصلحة؟.
الثاني: هذا التقرير برهان على أن الداخلية ترتكب جرائم ضد الإنسانية وإذا ذكرت لا ترتدع، ومن أجل ذلك نطالب بضم هذا التقرير إلى الوثائق السابقة، التي تقول إن الذين قمعوا حركات الاحتجاج المدني والسلمية هم مسئول رئيسي عن الإرهاب العالمي على العموم والمحلي على الخصوص، وينبغي مقاضاتهم لا على تهمة زرع الإرهاب المحلي وسقيه فحسب، بل بتهمة الجريمة الإنسانية.
هناك خلط عجيب عندما يصورون للناس أن سبب أحداث سبتمبر وما بعدها ديني، وخلط يدل على الحماقة، عندما يتصورون أن العنف من دون أسباب سياسية, وينبغي محاكمة أولئك الذين يدلسون على الحقيقة، والذين يزيفون أسبابها لأنهم تسببوا في كوارث عالمية، وترتبت عليها حروب عالمية وإقليمية وقلاقل محلية، ليعرف الناس الحقيقة ولكي ينال منتهكو حقوق الإنسان المدنية والسياسية جزاءهم، ولكي لاتتكرر المآسي الإنسانية.
وعند الحادي عشر من ديسمبر، لم يكن ثمة أسرة من أسر هذا البلد. إلا وهي مكلومة بسجين لها حاضر أو سابق أو بمعذب عذابا نكرا، أو بمظلوم اغتصبت أرضه أو ماله، أو بعاطل لم يجد مايحفظ كرامته، أو بعامل نهبت حيتان العقار كد عمره، أو كفي مظلوم حرم من الفرص الوظيفية المناسبة، أو نشيط سدت الواسطات والرشاوى والطبقية والإقليمية والمذهبية والروتين أمام فرص العيش الكريم المشروعة، أو مبتلى بعاهة المخدرات والأمراض النفسية والجسدية.
بهذه الوسائل السرية والعلنية؛ قتلت وزارة الداخلية الإحساس بالكرامة والأنفة والحرية، في حوالي تسعين بالمئة، من المواطنين، حتى أصيبوا بالأمراض النفسية والجسدية، التي تشيع في الدول القمعية، بل لعلها أكثر الدول القمعية، في معدل ضحايا القمع.
هذا التقرير من أوضح البراهين على وزارة الداخلية، ومن دار في فلكها من محققي الإجرام، وقضاة الظلام، والأمراء القمعيين، متهمون بإنتاج أحداث 11 من دبسمبر وما بعدها، ومتهمون بجرائم إنسانية،أو متهمون بالتدليس عليها.
ثالثا= كيف صارت وظيفة المؤسسة الأمنية
إرهاب المطالبين بحقوقهم السياسية؟:
هذا السؤال طرحه عليكم عدد من دعاة حقوق الإنسان، ففي بيانات شتى ووضعوا أمامكم مايلي من الشائعات عن وزارة الداخلية:
لقد أهملت أمن المواطنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وركزت قواها على قمع النشاط السلمي في المدارس والمساجد والمجامع
وبالغت وزرة الداخلية -وقد آزرها القضاء بالتدليس- في تركيز جهدها، على مراقبة أصحاب الرأي والتعبير والتجسس عليهم والتنكيل بهم، فلا يكاد يفلت منها متحدث في قناة أو إنترنيت، ولو كان باسم مستعار. وقصرت عن مراقبة السراق واللصوص، والمجرمين والفساق فكثرت السرقات حتى صار الناس لا يأمنون على سيارتهم في الأسواق، وصاروا يخشون على أطفالهم ونسائهم من الاختطاف، ولعل البلاد هي الوحيدة في العالم التي تكثر في بيوتها أبواب الحديد، وتتعالى الأسوار، وتوضع شبوك الحديد على نوافذها العليا، وكأنها سجون!!:
فلا أمن بلا عدل ولا عدل بلا شورى
هناك قرائن قوية أو شائعات مشتهرة أو مسلم بها بين الناس، والشهرة والانتشار معيار مهم من معايير مراقبة حقوق الإنسان، في المجالات التالية:
1-التدمير الأسري:
هناك رويات مستفيضة بأن الأجهزة البوليسية؛ تهدد بالتدمير الأسري، أهل الموقوفين من السياسيين والحقوقيين وقرابتهم، وينبغي التأكد من أنها لا تفعل ذلك أيضا. ومن ما يسهم في التدمير الأسري؛ حرمان أسر المحتسبين والسياسيين؛ من رزقها في بيت المال:
وهي حين تفصل المحتسبين والسياسيين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ودعاة العدل والشورى والمهتمين بالشأن العام ؛من وظائفهم؛ -وقد آزرها القضاء بالتدليس- تتجاهل أنها -بذلك-تحرم أسرهم من أرزاقها التي هي حق شرعي لها في بيت المال، من أجل إرغامهم على التآلف مع المنكرات السياسية، وقد فصلت عددا من القضاة وأساتذة الجامعات ورجال الحسبة والخطباء من أعمالهم. فحرمت أسرا من حقها في بيت المال، فشردت وأفقرت ودمرت أسرا كثيرة، فعاقبت الأسر على ذنب حقيقي أو متوهم، اقترفه عائلها أو اتهم به، وقد يكون ماعمله إنكارا باللسان على منكر من منكراتها!!.
وقطع الأرزاق عقوبة مضاعفة، لأنها تتعدى من قاموا بأعمال مهما كانت غير مشروعة إلى أسرهم، وهي من أجل هذا مجرمة محرمة في الشريعة تحريما قطعيا،فالله يقول:”ولا تزر وازرة وزر أخرى”،.
3-الاغتيال المعنوي والمادي:
وهناك روايات مستفيضة عن زرع أمراض غريبة، ودس مخدرات في الطعام داخل السجون وخارجها، وعن انتشار الأدوية النفسية من دون وصفة طبية محددة،وهي أدوية خطرة يؤدي إدمانها إلى الهلوسة، واتشار المخدرات، وقد يقوم بتوزيعها بعض العناصر المفسدة في المباحث أو يتغافل عنها، ومن آثار هذه وتلك إضعاف الإرادة، الذي يستدرج به الشباب إلى اعترافات تدمر سمعتهم وروحهم المعنوية، فيمسون عند خروجهم من السجون، مرضى مشغولين بأنفسهم، أو مصابين باكتئاب حاد، أو بائسين منسحبين من المجتمع، أو شبه مجانين ومعتوهين، أو مدمني مخدرات.فيصبحون عرضة لملاحقة شرطة المخدرات،-بدلا من المباحث-كلما هموا بالمطالبة بحقوق الأمة، إن حصيلة ذلك هي تحطيم الإرادة والاستقامة والإباء والسمعة، في نفوس شباب الأمة المتميزين والمحتسبين المهتمين بالشأن العام.
4-استدراج المحتسبين إلى الأفخاخ:
هناك رويات مستفيضة بأن المباحث؛ تستدرج غفلة أو سذاجة وحسن ظن، في بعض السياسيين والمهتمين بالشأن العام، وتجرهم إلى أفخاخ جو مشبوه، عبر بعض معارفهم، ثم تصطادهم عناصرها المندسة في إدارة المخدرات أو هيئة الأمر بالمعروف، في هذا الجو المشبوه، لتنكل بهم تحت تهم المخدرات أو تهم أخلاقية أو مالية،من أجل تشويه سمعتهم، وإسقاطهم اجتماعيا، أو انشغالهم بالدفاع عن أنفسهم.
وأحيانا بسجنهم أيضا على ذمة هذه التهم- بدلا من سجنهم تحت تهم سياسية وحقوقية- أو من أجل تخويف من حولهم، من مصيرهم أو من الدفاع عنهم.
بل هناك روايات أوجدت خشية جدية، من وضع مخدرات أو أسلحة ونحوها، في بيوتهم أو سياراتهم أو مكاتبهم، أو استراحاتهم ومزارعهم، ثم جر أصحابها إلى الإعدام تحت لا فتة: مروج مخدرات،أو إيهام الإدارة الأمريكية وإرضاءها، بأن هؤلاء إرهابيون أو داعمون للإرهاب.
5-تصيد العورات عبر الهواتف والسيارات الدوارة:
هناك أخبار بلغت حد التواتر، بأن الوزارة تستخدم الأجهزة الأمنية، خلافا لوظائفها الشرعية، في حفظ أمن الشعب والنظام، فتقوم بالتجسس خلافا لقانون الشريعة-من دون رقيب عليها ولا حسيب- وتطلع على عوراتهم، عبر التنصت على هواتفهم، ودوران سيارات المباحث المباشر الظاهر، على بيوتهم ومنتدياتهم، وتخويف النساء والأطفال، ولا ضامن على أنها لا تستثمر ماتطلع عليه من عوراتهم، من أجل تخويفهم والإيقاع بهم أو بذويهم، أو تشويه سمعتهم، أو تلفيق تهم جانبية عليهم.
6-استدراج الشباب الموقوفين إلى الاعتراف القسري بتهم جانبية لارتهان مستقبلهم:
هناك روايات مستفيضة؛ بأن المباحث تحقق مع بعض السياسيين والمحتسبين، في تهم ثانوية جديدة غير سياسية،لا علاقة لها بالتهم التي أوقفتهم من أجلها، ولم ترد في الدعوى عليهم، وهي تهم أخلاقية جانبية، كالمخدرات والسكر والرشوة والتزوير، وهي تهم ليس عليها بينات إلا الاعترافات،الناتجة عن فقدان الإرادة والتغرير والإغراء، وتوهمهم المباحث؛ بأن اعترافهم بها واعتذارهم عنها، يعجل بخروجهم من السجن.
ثم تثبت هذه الاعترافات في صكوك المحاكم، لتتخذها المباحث سلاحاً لأحد أمرين أو هما معا:
الأول:أن يبقى سيف الفصل من الوظيفة شاخصا؛ إن اهتموا بالشأن العام.
الثاني: تلطيخ سمعتهم، بأنهم حشاشون ومدمنو مخدرات،أو مزورون أو مختلسون، من أجل إسقاط مصداقيتهم. وقد صرح وزير الداخلية في أحدى المرات بأن أكثر المعتقلين من متابعي قناوات المعارضة الخارجية مدمنو مخدرات، فهل كان هذا الجهاز يلفق عليهم التهم من وراء ظهر الوزير، والوزير-إذن- لا يدري ما خلف ظهره ، من تلفيقات واستدراجات؟؟.
7-التهديد بالسجن على قضايا بسيطة:
هناك روايات مستفيضة؛ بأن بعض أجهزة المباحث في بعض الإمارات كالقصيم مثلا، تستدعى بعض الصحفيين الذين يكشفون عن الفساد المالي والإداري، في الصحف أو في الإنترنيت، إلى الإمارة. وفي قسم سري فيها، قد يضرب الصحفي الشاب أو يخوف، وتقول له المباحث: عندنا لك ملف كبير، فإما أن تكتب تعهداً بأنك لن تعود، وإما أن نسجنك ونفعل ونفعل، وعند ذلك يوقع، فتقول له: إن أخبرت أحداً بهذا التعهد سنحاسبك حسابا عسيرا، وإن عدت إلى الكلام سنحاسبك حسابا أقسى وأعسر، وسنفصلك من عملك، ليظل الصحفيون الشاب؛ عرضة لرؤى الأشباح أين ما رحلوا وحلوا.
8-الاغتيال والاختفاء القسري والتهديد بالاغتيال:
هناك أخبار مستفيضة عن أن بعض ضباط المباحث يهددون السجناء السياسيين ودعاة حقوق الإنسان ونحوهم بالاغتيال، سواء أكان ذلك أثناء سجنهم أم عند خروجهم، من أجل أن يظل شبح سيف الاغتيال شبحا فوق رؤوسهم، عبر دس السم، أو عبر حوادث السيارات، ونحوها، من أجل ذلك ينبغي التأكد-أيضا- من أن سجل الوزارة خال فعلا من جرائم الاغتيال والاختطاف والاختفاء القسري.
9-الإيقاع بدعاة الحقوق و السياسيين عبر ذويهم:
هناك روايات مستفيضة؛ بأن المباحث تستدرج بعض من لهم صلة بهم، من أقارب أو عاملين أوأصدقاء،أو خدم وسائقين، وتغرربه وتستغل خوفه أو وفقره وحاجته، وتجنده من أجل الإيقاع بهم، أو إشغالهم بمشكلات أسرية أو تجارية أو صحية.
10=قلقلة أمن الحقوقيين والسياسيين:
ثمة قصص عديدة شائعة؛ عن حوادث اختطاف سيارات، تعاد بعد أخذ مافيها من خطابات للتوقيع أو لاتعاد، وسرقة استمارات سيارات ولوحاتها، وضرب مبرح في جنح الظلام، ومضايقة سيارات تخيف من حوادث متعمدة، وحدوث انقلاب سيارات، نتيجة هذه المضايقات، وهذه الأمور-لوكانت وحدها-لما كانت قرائن قوية على تخويف الحقوقيين والسياسيين، ولكن عندما تربط بسوابقها، تكون قرائن قوية.
رابعا=كيف صارت وظيفة القضاء
افتراس دعاة الحقوق والسياسيين بالتدليس على انتهاكات حقوق الموقوف والسجين:
1= توثيق اعترافات الإكراه الملفقة أو الجانبية المسيئة للسمعة، بصكوك قضائية:
أن وزارة الداخلية عبر سيطرتها على جهاز القضاء، تضغط على القضاة، من أجل إصدار صكوك قضائية، بالتهم الملفقة والجانبية على السياسيين ، ودعاة العدل والشورى، التي لم يوقفوا لأجلها؛ من أجل تشويه سيرتهم والتشكيك في مصداقيتهم أمام الناس، وإشغالهم بالدفاع عن أنفسهم.
2= تعهدات السجون المصدقة من المحاكم تخالف مقتضى البيعة الشرعية:
ورغم أن الدولة أصدرت-أخيرا-ما سمي بالأنظمة العدلية، فقد درجت على مخالفة الأنظمة العدلية عمدا، -وقد آزرها القضاء بالتدليس- فتنتهك حقوق المتهم، التي قررتها الدولة في (نظام الإجراءات الجزائية) وغيره، عمدا بصورة شائعة منتظمة، رغم تنبيه دعاة حقوق الإنسان إياها مرارا، في خطابات موثقة رسميا.
إن تطبيقات الوزارة؛ في السجون تنتهك أصول البيعة الشرعية؛ وتخالف ماهو ثابت في نصوص الشريعة وروحها، بصورة قطعية،-وقد آزرها القضاء بالتدليس- فتنتهك حرية الرأي والتعبير المشروعة في الشريعة، وتطلب منهم أن يكفوا عن النهي عن المنكر الذي يوافق هواها، ولا ترضى في أي تعهد أن تقيد طاعة الحكومة بالمعروف، وفق حديث:”إنما الطاعة بالمعروف”، بل تطلب منهم أن يطيعوها مطلقا، أي في معصية الله وطاعته معا، ويقوم القضاء بالتصديق على تلك الاعترافات.
3=تجريم العمل السلمي: وإصدار القضاء أحكاما يجرم فيها ما وقعت الدولة على أنه من حقوق الإنسان:
سواء أكان بيانات ومظاهرات واعتصامات، وإصدار عقوبات قاسية على من يتهم الدعوة إليها، فضلا عن من يقوم بها، ومن أوضح الأدلة على ذلك صك محاكمة دعاة الدستور الثلاثة، وصك محاكمة المتهمين بتحريض نساء المعتقلين السياسيين على الاعتصام.
4= الانحراف بالسجون عن وظيفتها الشرعية: التعويق والتأديب، إلى وظيفة فرعونية التضييق والتعذيب:
إن الوزارة-وقد آزرها القضاء بالتدليس- ظلت تمارس التعذيب الجسدي والمعنوي في السجون، على الرغم من نصح بعض دعاة حقوق الإنسان إياها، وتعاون بعضهم معها بملف ضخم عن الانتهاكات، قبل أكثر من عشر سنوات، تضمن حقائق فظيعة شنيعة، في مقياس الشريعة، وفي جميع الشرائع الإنسانية، ومخلة بما وقعته الدولة من مواثيق دولية وإسلامية وعربية، ولكنها لم تعالجها بصورة جدية، وقد كان التعذيب في السجون، من عوامل زيادة الاحتقان والتمرد، فصبت بالتعذيب الزيت على النار، كما أشرنا أثناء الخطاب.
5=اعتبار تعويض المتهم منحة(أميرية) مشروطة بالمذلة والإذعان
هناك أخبار مستفيضة بأن المباحث تستخدم سلاح قطع الأرزاق ووصلها من أجل قتل روح الكرامة والشهامة والحرية في نفوس المواطنين، والقضاء يسهل للمباحث؛ التمادي في هذه الإخلال، لأنه لا يكاد يبرئ سجينا سياسيا، بل يعاقب -باستمرار-على الشبهة، ومن أجل ذلك لايحكم للسجناء الذين لم يثبت عليهم جرم؛ بأي تعويض، مادي أو معنوي.
ومن هذه الثغرة تنفذ المباحث، فتعطيهم تعويضا على شكل راتب أو دفعة مالية مقطوعة، لا على أنها حق بديل عن سجنهم دون جرم، وضياع مصالحهم ورزقهم-أثناء السجن- بل على سبيل المنة والخرجية المشروطة بالصمت، من أجل التظاهر أمام أهليهم وذويهم ؛ بأنها رؤوفة بهم، ومن أجل إذلالهم و إسقاط سمعتهم.واستثمار (المنح الأميرية) في الضغط عليهم وإسكاتهم.
6= استغلال عباءة أعمال السيادة لحماية انتهاكاتها حقوق الإنسان:
تحت لافتة أعمال السيادة تحمى الوزارة -وقد آزرها القضاء بالتدليس- انتهاكات حقوق المواطنين، التي تصدر منها، ولا سيما من رجال المباحث، لكي لا تكون أخطاؤها عرضة للمراقبة والمحاسبة.
7= كثرة حالات الاعتقال المتعسف:
وهي تمارس الاعتقال المتعسف بصورة منظمة متعمدة، مخالفة لائحة نظام الإجراءات الجزائية، مخالفات صريحة متكررة،-وقد آزرها القضاء بالتدليس- وكأن اللائحة وضعت من أجل ذر الرماد أمام الهيئات الدولية، التي تطالب الدولة، بالالتزام بما وقعت عليه الدولة من قرارات عالمية.
خامسا: ثنائية القمع الديني السياسي العلاقة بين الضغط والانفجار:انفجار العنف
1=التطرف والعنف الديني من إفرازات التطرف والقمع السياسي
تحالف الفقهاء والأمراء منذ خمسين عاما، ذلك التحالف الديني السياسي ما ثمرته اليوم ؟، شيوع الظلم الاجتماعي والسياسي،وإلغاء الشورى النيابية، وتركيز الخدمات في المنطقة الوسطى، وتهميش الأطراف،وتسويغ القمع السياسي بغطاء ديني، وأنتج ذلك دخول الدولة في مغامرات عسكرية، لا مصلحة للإسلام والمسلمين فيها، من أهما التحالف مع نظام صدام ضد إيران، وعون شيوعيي عدن ضد وحدة اليمن، وأخيرا الاستعانة بالقوات الأمريكية لضرب العراق، مرتين اثنتين.الذي اتخذ مثل هذه القرارات من دون مشورة الشعب، وظلم الشعب واستنزف ثروته وقمع الكلمات بالسجون، هو المسئول الأول عن الإرهاب.
هذا الشوك هو أسباب نزوف الدماء و العنف، من أجل ذلك شاع الاستياء العام من سيطرة هذا الثنائي على شئون الناس، ومن جمع النظام السياسي بين القمع والظلم معا،ولم يكن الاستياء خاصا بالناس العاديين، بل إنه شمل المتدينين، فأنتج الإحباط فيهم شبابا متمردا عنيفا، سك خطاب احتجاج ديني، وقاد إلى استعداء العالم.
إن أحداث العنف في الرياض وغيرها هي ثمرة ثقافة تحالف الفقهاء والأمراء القمعية ،إنها نتائج اختلال العدل وغياب الشورى، وشيوع القمع السياسي المتدثر بعباءة دينية، وتهميش بعض المناطق .
والمعالجات العسكرية لا تعالج إلا سطح الجلد، كما أن حاصد العشب لا يستطيع منع العشب من الظهور مرة أخرى، ما لم يعالج التربة, من أجل ذلك فإن أمام هذا التيار فرص انتشار. لأنه سينمو في ظلال الإحباط وانسداد الأفق، وانتشار الفساد.
2-انقسم المقموعون-بعد حرب الخليج-ثلاثة تيارات:
وعندما وصلت كل الجهود إلى طريق مسدود وصاح أحد كبار القضاة بدعاة الحقوق السياسية؛ إنكم أيها المحتسبون الناهون عن الاستبداد والظلم، كما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
عند ذلك شاع اليأس والإحباط، فانقسمت تيارات التغيير-وجلها إسلامي الخطاب- ؛ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الذي استمر على نهجه الجزئي السلمي غاب في بيات شتوي، تلاحقه فيه أشباح السجون والتعذيب و التضييق والإحباط، وإفرازاتها الجسدية والنفسية.
القسم الثاني: قفز من تيار المناداة بالإصلاح الجزئي السلمي، إلى المطالبة بالتغيير الشامل، وخرج إلى الخارج وأبرز رموزه الدكتور سعد الفقيه والدكتور محمد المسعري.
القسم الثالث: التيار الأرفع صوتا: انقلب فيه تيار التلاميذ والأتباع والشباب على منهج الإصلاح الجزئي السلمي عند شيوخه، واختار حمل السلاح، ورأى أن أساليب المجتمع المدني؛ قد أخفقت إخفاقا مشهودا، وأنها لا تنجح في مجتمع صحراوي، وأن منهج الفقهاء وأساتذة الجامعات، في النصح سواء أكان عبر مقابلات خاصة سرية، أم بيانات مقموعة لم يثمر شيئا مذكورا، ورأى أن حمل السلاح هو الأجدى، في الوصول إلى التغيير الذي يريدون، طالما أن الدولة لن تسمح لأحد بالكلام، وتقول على لسانها أحد فقهائها”الخروج على الحاكم بالكلام كالخروج عليه بالحسام”.
مثل هذا الفقيه القمعي أولى بالاتهام بزرع العنف أم المنددون بأمثاله؟
ومادام كبار الأمراء النهابين والقمعيين؛ يتبجحون في كل مقام”أخذناها بالسيف الأملح”، أي لا داعي إذن للكلام عن التزام الحاكم بإرادة الأمة، أو اعترافه بأن شرط البيعة الأكبر على الكتاب والسنة، هو صدوره عن قرارات نواب الأمة، وعرفائها المنتخبين.
فهل هذا الذي بقول هذا الكلام من الفئة المهتدية أم من الفئة الضالة؟، وهل هذا الذي يقول هذا الكلام من التيار الخارج عن القانون أولى بالاتهام بالخروج من غيره، أم هما سواء، وهل الخوارج خوارج على علي أم على عمر بن عبد العزيز أم الحجاج؟، إذا كانت المسألة مسألة نصوص واحتجاج، فإن الذين حملوا السلاح، أخطأوا في الوسيلة، ولكنهم لم يخطئوا في الهدف، وهو أنه يريدون أن يسمح لهم بالتعبير عن وجهة نظرهم، في المسألة السياسية، وعندما لم يسمح لهم التعبير اتجهوا إلى السلاح. نعم نحن عندما نفسر سلوكهم لانسلك نهجهم، ولكننا نبين أن سبب الإرهاب الداخلي والخارجي إنما هو سياسي، وأن علاجه الأساسي إنما هو سياسي.
وقد اعتمد تيار العنف على الرأي الذي ذهب إليه أكثر الفقهاء، الذي سماه ابن تيمية مذهب السلف القدماء، وهو مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد نصره ابنه عبد الله في كتابه(جواب أهل السنة)، ونصره خير الدين التونسي-على أنه من دعاة الدستور والمجتمع المدني- في كتاب (المسالك)، فكانوا يحاربون الدولة بأسلوبها أيضا: العنف والغلو في التكفير والتبديع، والغلو والعنف وفي لمنهجه لا لمنتجه.
3-عندما ينقلب السحر على الساحر:
عنف الجماعات الإسلامية سياسي يتوسل بخطاب ديني:
وإذا كان العنف يسك خطابا دينيا يتوسل به إلى تسويغ أعماله، فإنه يأخذ من نفس المنهل الذي تبرر به الدولة عنفها، إنه إذن العنف المضاد، وعلاجه الأساسي؛ لن يكون بالفتاوى ولا بالرصاص، بل يكون بالإصلاح السياسي، وبفتح قنوات سلمية، يعبر بها الناس عن آرائهم، ويشاركون السلطة في اتخاذ القرارات، التي تمس مصالحهم.إن سبب العنف سياسي وإن توسل بخطاب ديني، إن سببه سحق الكرامة والحقوق السياسية والمدنية.
ألسنا في بداية الزلزال الذي أنتج الشيوعية في روسيا، والجمهورية في فرنسا، والكمالية في تركيا، والخمينية في إيران؟، فإذا كان الأمراء الدستوريون الإصلاحيون الذين قدتهم -يا خادم الحرمين-قبل أربعين عاما، ومن على نهجهم من الأنجال والأحفاد؛ لا زالوا جادين في البحث عن العلاج، فلا بد من محاكمة أسباب العنف والتطرف، وإبعاد من يثبت تورطه في إنتاجهما والتدليس عليهما من أمراء وقضاة وفقهاء وموظفين، لأن المتورطين في إنتاجهما لا يريدون المحاسبة، فضلا عن أن يسمحوا بإصلاح سياسي هم منه أول الخاسرين، أوبالخروج من مستنقع فساد سياسي هم فيه أكبر الغارقين، وأعظم الرابحين.
هذه هي حكاية زلزال العنف‘ إنه حصاد النظام البوليسي، التي يقوم فيها الأمن على الظلم والأثرة وتفقير المواطنين وتحقيرهم من جانب، ومن جانب آخر على تخويف كل من يجأر أو يصرخ أو يصدع، من الآمرين بالمعروفات والناهين عن المنكرات سياسية وإدارية ومالية وروحية، الذين هم عيون الزرقاء، عندما يشعلون ضوءا أحمر أمام الانتهاكات.
وما مر يمهد إلى أهم تهمة، وهي أن سياسة وزارة الداخلية، منذ عام 1411هـ، ومن آزرها من الأمراء النهابين والقمعيين والقضاة والفقهاء في قمع حرية الرأي والتعبير والتجمع؛ ورفض الإصلاح السياسي؛ أعظم أسباب العنف الذي هز البلاد والعباد؛ على الإطلاق.
4= وداوني بالتي كانت هي الداء
الداخلية تظن أنها تستطيع سحق العنف بنفس أساليبها التي أنتجته :علاج الجراح بنكئها:
أن عدم وجود جهات رقابية فعالة ذات شفافية وجهات محاسبية قوية ذات مصداقية؛ قد زاد من احتمالات التعسف. من أجل ذلك ينبغي فتح ملف حقوق الإنسان، لفحص ممارسات الوزارة، ومن الضروري-إذن- كشف المستور، والكلام في المسكوت عنه، لأن هذا وذاك يشكلان ضمانة للحد من التعسف والانفلات في استعمال السلطة، ويحولان دون تراكم الفساد، ويحدان من الممارسات السرية والعلنية، التي تتدثر بالشريعة والنظام والقانون والمصلحة العامة.
وهذا أمر بديهي في دولة تعلن صباح مساء، أنها تطبق ما أنزل الله للناس من عدل ورحمة وشورى ومساواة. وقد سعت لتكون عضوا في مجلس حقوق الإنسان العالمي، وذلك دليل على أنها تريد أن تكون نموذجا في حفظ حقوق الإنسان، وذلك يستدعي أن يكون سجل حقوق الإنسان فيها نظيفا مشرفا.
ولكن سيطرة وزارة الداخلية، جعلت التطبيق متدنيا جدا، كما شهدت هيئات دولية مستقلة؛ بأن ترتيبنا في قائمة احترام حرية الرأي والتعبير، هو 197 فلا يفصلنا عن حافة القائمة؛ إلا كوبا وكوريا الشمالية!!، وربما لو علمت هذه الهيئات الدولية ما نعلم؛ لوضعتنا آخر دولة!!.
ولقد درجت الوزارة على إهمال الشكاوى والاستفسارات الموجهة إليها من لجنة حقوق الإنسان الوطنية-وهي تعد بالآلاف-، وعلى إهمال الشكاوى والاستفسارات التي ترسلها هيئة حقوق الإنسان،- وهي أكثر من 900خطاب- ؛ لم تتجاوب الوزارة مع أكثر من 1% منها!!!.
ومن الأدلة الجديدة على ذلك:
1=إن معالجة الداخلية لتقرير معتصمات القصيم عن تعذيب ذويهن، واعتصاماتهن، يدل على أنها، تعالج الداء بأساليبها التي أنتجت الداء: السرية والغموض والتخويف وتجريم المدافعين عن المعتصمات(انظر ملف محاكمة عبد الله وعيسى الحامد في تهمتي اختراق طوق أمني وتحريض المعتصمات).
2=إصرار القضاء على محاكمة المتهمين بالعنف محاكمات سرية(انظر بيان 77ناشطا حقوقيا يدينون المحاكمات السرية).
سادسا: تطرف وعنف في مناهج الدراسة أم في مناهج السياسة:
1=لماذا يهاجمون مناهج تعليم الدين:
بعض الحكومات العربية في سبيل تمرير قمع حركات المجتمع المدني ، تعلن أن سبب العنف تطرف ديني، وتزعم أن للعنف أسبابا دينية، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد:
الأول إقناع الغرب بأن المشكلة في مرمي معارضيها لا في مرماها، وهي تقدم نفسها عبر الحكم الدكتاتوري للغرب، بديلا عن الحكم الشوري، وتخوف الغربيين من أن الحكم الشوري سيوصل الإسلاميين حتما إلى الحكم. وبذلك تنفي أن العنف كشف حساب جورها وسوء إدارتها.
الثاني:تشويه دعاة الحقوق المدنية والسياسية، والجهاد المدني السلمي،على اعتبار أن حملة الرصاصة هم الوجه الآخر لحملة الكلمة والتعبير السلمي. واللعبة مكشوفة في بعض الدول العربية، وقد طاب للدويلة الصهيونية تحليل دولة القمع العربية لأسباب العنف والتطرف، لأن كلا من الطرفين متضرر من الحكم الشوري، لغاية في نفس الصهاينة، فأعلن الجميع الدعوة إلى تعديل مناهج تعليم الدين.
يقولون:إن التطرف ناتج عن خلل في مناهج الدين فيجب إصلاحها، وهذه مسألة تحتاج إلى تفصيل.فالدعوة إلى إصلاح مناهج تعليم الدين مطلب شرعي، تطارحه المصلحون منذ عهد خير الدين التونسي والكواكبي. ولكن الكلام في تجديد الدين ومناهجه؛ مزلة أقدام وضياع أفهام، كما قال الإمام ابن القيم في غير هذا السياق، لا يمكن أن يجتهد فيه إلا من عرف كليات الشريعة ومقاصدها القطعية ، واتخذ من علم أصول الفقه بوصلة.
وتجديد مناهج الدين يعنى عودة حيوية الأمة وقوتها، في مجال الفكر والممارسة، ولو قيض لمصر أن تساند حركة الإصلاح السياسي ، لكانت حرية أن تكون اليوم في وزن اليابان.
ولكن أمريكا ودويلة العدوان الصهيونية ليستا عضوتين في جمعية خيرية، كي يرشدا معتقليهما إلى كيفية فك أغلالهم، إنهما تريدان أن تستمر مناهج الدين في صيغتها الراكدة،على أن يحذف منها باب الجهاد، وباب الكفر والإيمان وباب الولاء والبراء، وباب الجهاد المدني السياسي.
2=من الإسلام الأمريكي إلى السلام الصهيوني:
بالأمس تعلمنا الإسلام الأمريكي ، فاعتنقنا إسلاما إسفنجيا، مطواعا يواصل خدمة المصالح الأمريكية، فيشمر مجاهدا في أفغانستان من أجل حصار الشيوعية والشيعة، واليوم جاء دور (الإسلام المتصهين)، الذي يلين في الشرق الأوسط، لعناق الإمبريالية، وينسجم مع سمفونية العولمة: الهيمنة والعلمنة، ويصفق عند دك العراق، ثم يتحول إلى دلفين أليف، فيرقص في حفل توقيع معاهدة السلام الإسرائيلي، ذلكم هو مفهوم تعديل مناهج الدين.
إذن مناهج الدين ليست هي التي تحتاج إلى تعديل، المناهج التي تحتاج إلى تعديل جوهري؛ هي مناهج التفكير السياسي الأمريكي تجاه العرب والمسلمين، ومناهج تفكير السلطة العربية الكسروية والصحراوية تجاه شعوبها.
نعم مناهج الدين تحتاج إلى تجديد، بل إلى إصلاح، ولكن السلطة العربية، لاتريد إصلاح مناهج التعليم الديني، إنها لا تريد هذا الإصلاح، تريد مزيدا من دروشة الدين،لكي يبقى مختصا بشئون الآخرة، إنها لا تريد أن يكتشف الناس ان الدين ضد الاستبداد، وضد الظلم والفساد، وليس مجرد صلاة وصيام، إنها تريد أن يستمر الإخلال بالعقيدة وأصول الدين، وأن يستمر تقديم هذا الإخلال، بعنوان: العقيدة أيضا.
مناهج تعليم الدين لا تخلو من ملاحظات، ولا سيما في مسألة المبالغة في التكفير والتفسيق، وفي فهم العالم من حولنا، وإدراك أن الديمقراطية أفضل تجل لمبدأ الشورى، وأن العدالة أصل من أصول الدين، ولكن هل الحكومات العربية تريد هذا التجديد، أم تريد أن يبقى في الدين مخزون الجهاد فحسب، لتستثمره عند الحاجة إلى صراعات حدود وطوائف، ولضرب حركات إصلاحية.
مناهج التعليم تحتاج إلى تعديل، ولكن من المؤهلون لتعديلها؟ هل هم المستبدون الذين ينفذون الفرمان الأمريكي، إن الكلام عن تجديد مناهج التعليم برمته، لا يكون بقرار فوقي، بل يكون في جو الحرية والهواء الطلق.
والكلام عن حاجة مناهج الدين للتعديل، إنما هو هروب مقصود عن الأسباب الحقيقية للعنف والتطرف. ومن أجل أن يزول فكر العنف المضاد، على الدول أن تركب قطار الشورى، من أجل أن يزول ما في بعض مناهج التعليم الديني من قصور وانغلاق، علينا أن ندرك أنها صدى قمع سياسي، وأن القمع الديني، هو الوجه الخلفي للوحش السياسي، فله علاقة به، إما علاقة تكاملية في حالة الوئام، أو جدلية في حالة الخصام. فتش عن الاستبداد تجده جذر كل تطرف وفساد.لكن لا السلطة العربية المستبدة ولا أمريكا ولا الكيان الإسرائيلي، كل هؤلاء لا يريدون إعلان الأسباب الجوهرية، من أجل ذلك لن يحلوا المشكلات، بل سيحولونها إلى معضلات.
سابعا:السعودية أظهر نموذح عربي جدلية القمع و العنف
1=السلطة العربية نموذج الأخطبوط:
حاولت السلطة العربية أن تنتصر في مجالات ثلاثة: الحداثة والعدالة الاجتماعية والكرامة القومية، ولكنها لم تنتصر،في واحدة منها، لأنها لا تملك مشروعا سياسيا شوريا، ولو ملكته -نظريا-لما ملكت إلا الوسائل الكسروية الصحراوية لتنفيذه.
إن نموذج السلطة العربية؛ هو (الأخطبوط)، الذي إذا عض شيئا لم يفلته، الذي له ثمانية أطراف طويلة، لا تترك شيئا إلا استحوذت عليه.
وكان من الطبيعي أن ينتج الأخطبوط إدارة بطيئة متصلبة أحادية قمعية، تنهش فيها المحسوبية والرشوة.
إن أهم ميدان فشلت فيه السلطة العربية هو التعليم، أجل لم تكن البلدان بلا مدارس، ولكن المدارس كانت بلا تربية.
هذه هي حصيلة مدارسنا أجيال، قدمت حظوظ الذات على مصالح المجتمعات، عندما عثت في أخلاقها الملذات والشهوات، وشغلت عقلها البهارج والمظاهر والكماليات،وصرفتها عن دينها وهويتها المناهج المستوردة، وحطمت إرادتها أجهزة المباحث والمخابرات.
وعلى اختلاف الأقنعة دأبت السلطة العربية(في الجملة لا بالجملة) على تهميش دين أكثرية الأمة الإسلام ، فلم تأخذ منه إلا ما يدعم استبدادها وظلمها، وسعت عبر مثقفيها المستغربين إلى تغريب الأمة، وعبر بوليسها إلى وأد الكرامة، وعبر المدرسة الرهبانية إلى تدجين الإسلام، وفوق ذلك همشت العدالة الاجتماعية.
فأنتجت مزيدا من الفساد، وتعثرا في الاقتصاد، وعاشت الدولة في واد والمجتمع في واد آخر، وكانت الحصيلة مزيدا من العنف والقسوة ومحاولة التغريب. وبددت أموال شعوبها في مظاهر فارغة، وشراء أسلحة فاسدة، وعثا فيها سوس الرشوة والمحسوبية، والاختلاس من المال العام،فانتشرالفقر والرذيلة والفواحش والمجون والمخدرات.
وتتابعت الانقلابات وتعددت الانتماءات بين الدولة القومية والاشتراكية والوطنية والثورية والمحافظة، وكلها قد أجمعت على الاستبداد.
وتجلى العقل الصحراوي في انشغال الدول العربية بالصراعات على الحدود والنفوذ، وتضييع مالها من ثروة وقوة، في مجال الشهوات،والغفلة عن التخطيط للمستقبل البعيد، وتحدثت عن النصر في فلسطين، والصلاة في المسجد الأقصى، فإذا بها تسوق الأمة إلى الاستسلام باسم السلام، وأخيرا ألغت كرامة الأمة، فاستسلمت للهيمنة أو الضغوط الأجنبية، وهذا هو فصل الختام في كل مسرحية درامية،: كل سلطة تقمع شعبها، تجد نفسها مقموعة أمام أعدائها، هذه هي النهاية لتلك البداية، فهل تحتاج هذه القاعدة إلى مثال؟.
وحاربت السلطة(في الجملة ) دعاة القسط والإصلاح، من كافة التوجهات، حتى دعاة المجتمع المدني وحقوق الإنسان، حتى همشت وشلت الثقافة والتعليم، فكم قمعت وحجمت، وخدرت ولينت، ودروشت وأفسدت؟، من فقهاء وعلماء وأكاديميين وكتاب وشعراء، ولم تدرك أن مثقفيها هم عيونها، وأنها إن فقأت عيون الزرقاء، فقد أطفأت السراج، وعاشت في خرمس الظلام.
ثم استفردت بالشعب المستكين، وحولت المواطن الشريف، وهو رأس مال الوطن، إلى مهمش وضيع، وظيفته أن يسمع ويطيع، يسوقه الحاكم الحكيم، كما يسوق الراعي القطيع،ولكن الفارق بينهما هو أن الراعي يقود القطيع إلى المرعى الخصيب، أما هي فتقوده إلى الهوان والجوع.ومكنتها المخترعات الحديثة، وأجهزة الاتصالات، من إحكام السيطرة على المجتمع وابتلاعه، واعتبرته رعاعا ونسيت كم بذلت في سبيل ترعيعه.
ولم تدرك السلطة العربية؛ أن هذا السكون غرار خداع،كسكون المحيط، يمكن في ليلة هادئة، أن يموج بشيء فظيع مريع
2=المجتمع الصحراوي منتج طبيعي للعنف
المجتمع العربي بعامة ولاسيما في المناطق الصحراوية مجتمع تقليدي، وقد تعرضت العلاقات فيه في العصر الحديث، لتغيرات شاملة-إن لم تكن هزات عنيفة- في نظم الإنتاج والاستهلاك والتعاون والتضامن والعلاقات الأسرية والقبلية، وشكل ذلك انتقالاً تدريجيا ومتعثراً من بنى المجتمع التقليدي إلى بنى المجتمع الحديث، وكان ذلك فترة مخاض صعبة، (اشكالية مفهوم المجتمع المدني: كريم أبو حلاوة:111).
ورغم تطور المجتمع العربي النسبي المادي، فإن ثقافة الإصلاح المدني السلمية، لم تترسخ فيه، بسبب كثير من التراكمات القبلية والمتخلفة.
وقد أوجد ذلك اختناقا يصل إلى مستوى الأزمة، نتيجة الصراع بين القيم الجديدة، وهي أزمة رافقت التغير الشامل الجوهري السريع في الحضارة المادية والمعنوية. وهزت القيم القديمة.
ويمكن أن نأخذ مثالاً خليجيا؛ وسنجد أن عوامل الاختناق في المجتمع في هذا النموذج، بدأت تظهر النتائج التراكمية، للبناء الثقافي والاجتماعي , وما فيه من موروثات في العادات والأعراف . حيث بنت جدراناً أربعة: ذات سقف حديدي :
أعراف صحراوية قبلية
وأعراف اجتماعية طبقية.
وثقافة دينية شعبية تقليدية ما ضوية أحادية راكدة‘
وفوقها بنية دينية رسمية شديدة المحافظة.
وهذه الثقافة تقليدية، ليست من إنتاج الدولة وحدها، بل من تراكمات صياغة الفكر الديني في العهود المتأخرة وقد أعيد إنتاج هذه القيم، على أنها الإسلام الصافي أو الكتاب والسنة، وفي ذلك إهدار للسياق التاريخي الذي أنتج هذه التصورات من ما يجعل كثيراً من هذه القيم تفتقر إلى التسويغ المعرفي (انظر إشكالية مفهوم المجتمع المدني:103).
والمجتمعات العربية ولاسيما الخليجية اليوم أحوج المجتمعات إلى بناء ثقافة المجتمع الشوري المدني، وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية، والكرامة والمساواة والحرية بضوابطها الإسلامية، وقيم التقنية والحيوية، وروح الإيثار والمواساة،
3= والعنف وفي لمنهجه وليس حليفا لمنتجه؟ :
إن هناك علاقة وثيقة بين القمع والعنف. والإنسان المقموع، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.من المناسب إذن أن يسمح للأفكار بأن تعيش فوق السطح،حتى لو كان فيها غلو أو تخلف أو تطرف ، لأن ذلك هو الأسلوب الصحيح، لترشيد الأفكار الغاوية وتنوير الاتجاهات المتخلفة، لأن كبتها يساعد على أمور:
الأول: بناء منظومة من الفكر المنغلق أو الغالي أو العنيف.
الثاني: انسلال هذا الفكر تحت الأرض، على شكل تنظيمات سرية، بحث لا يمكن معرفة مساربه، ولا حجم جمهوره.
الثالث: تقديم نفسه بمظهر المضطهد، يكسبه أنصاراً محبطين، يؤيدون كل فكرة متمردة.
الرابع: عنفه يظهر مفاجئا دون أن يتوقع زمانه أو مكانه. كحركة البراكين لا يدري أحد متى تحدث ولا أين.
الخامس- ليس من التفكير العلمي، أن نظن العلاج البوليسي للعنف هو الحل، إذا أردنا أن نحارب الفكر الانقلابي، فلا بد أن نسمح للفكر الشوري السلمي، وإذا أردنا أن نحارب العمل السري، فلابد أن نسمح بالعمل العلني.
السادس- وإن من المخاطر السياسية، أن تساق الأمة بالعصا، لأفكار يعتقد أصحابها أنها صحيحة أو مناسبة أو متقدمة، لمجرد أنهم يملكون عصا السلطة. بل ينبغي أن يسمحوا للإنسان أن يختار أن يكون متقدماً أو متخلفا، و أن يكون سبيل التقدم هو الحوار والاقتناع، لا الجبر والانصياع.
السابع- إن كل سلطة لا تسمح للناس بالتعبير لن تكتشف ما لدى الناس من آراء، فيصعب عليها أن تكون تعبيراً صحيحا ًعن إرادتهم، و معرفة آراء الناس ستتيح للحاكم أن ينفذ ما هو أصوب و أفضل، وتجعل الناس شركاءه في المسئولية عن كل قرار كبير، ولا سيما إذا جاءت نتائجه سلبية، كماتم في أكثر من قطر عربي.
الثامن- إن التيارات الميالة إلى التشدد وأحادية الرأي والعنف، أكثر نجاحاً وتأثيراً في المجتمعات المنغلقة،لأنها بشجاعتها تستثير الإعجاب، دون أن يربط الناس بين الشجاعة والصواب، بيد أنها تفتقد كثيرا من وهجها، عندما يتاح المجال للحوار والعلن، لأسباب عديدة:
*= أن قدرتها على الإقناع في الجو المفتوح ضئيلة.
*= أن كثيرا من حججها تتهاوى أمام المعرفة الموضوعية.
*= أنها قليلة الأعداد.
*= أنها تنطلق من أفكار ومسلمات فيها شيء كثير من المثالية. وشيء آخر من التعصب، وشيء آخر من الأفكار الخاطئة، إنها إنتاج حقل القمع والعنف والخوف، وحقل القمع والعنف والخوف قد لا يكون مؤهلا لإنبات النباتات السليمة.
ثامنا: الإصلاحيون في قفص الاتهام
1= ازداد الاحتقان وحان أوان ثوران البركان إن لم يسبق الإصلاح السياسي :
قال الإصلاحيون في خطاباتهم وبياناتهم:
إن الاحتقان السياسي كالبركان يدور في جوف الأرض، ولا بد أن ينفجر، ولن ينتظر شيخا يفتيه بجواز الانفجار، لأن انفجاره حتمية سياسية، والمجتمع (المدني)هو سفينة النجاة. الإصلاح السياسي أو استمرار الدوامة
ومخزون الإهانات والاحتقار ودوس الكرامة قد يكمن ولكن انفجاره في أي فرصة مسألة محتملة،-حسب الاحتمالية الاجتماعية-. لاسيما في مجتمعات بلا ثقافة مدنية تعلم الناس كيف يعبرون عن آرائهم ويقومون بأدوارهم بصورة سلمية مؤثرة.
ومع ملاحظة ما يحدثه الصراع بين القديم والجديد من اضطراب نفسي، فإن حالة الاستياء هي السبب الرئيس،عندما يكون الإنسان محاطاً بأربعة جدران لا باب فيها، وهو يرى ويسمع عبر القنوات مدى تغير العالم من حوله، ولا سيما في ميدان الحداثة السياسية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني. فإن الصحة النفسية لن تتوافر له،
وهذا الجو المفتوح؛ في ما جلبه من مؤثرات في الرأي العام، ألغى أسلوب تربية القلعة المحاصرة. بحيث صار الإنسان يتعلم ويتربى أيضا، على ما يرد من الخارج، فلم تنحصر التربية الاجتماعية بما في برنامج الدراسة المحلي.
وتعرى هذا البناء أمام تحديات ومعطيات كبرى، في أفق مفتوح عبر القنوات الفضائية والمواصلات والاتصالات؛ عندما وأدت الدولة الحرية وهمشت العدالة الاجتماعية، وأطالت أنيابها البوليسية وأظفارها، واعتبرتها كريات دم بيضاء تقضى على دعاة القسط والمجتمع المدني، وقمعت جماعات التعبير السلمي.
وكل تنمية في المجالات المادية أو المعنوية في البنية الأساسية، أو الخدمات والتعليم والصحة، أو التجارة والزراعة والصناعة، ليس لها محصول يذكر، دون أن تتم تنمية الإنسان، وتنمية الإنسان لا تكون إلا بتفعيل قدراته ومواهبه، وإشراكه في القرارات التي تتصل بشئون حياته، فلكل إنسان دور، مهما كان وأين كان.
وكل تقدم مادي أو تقني دون تقدم الإنسان، فإنما هو أوهام تذروها الرياح، ولا تقدم للإنسان إلا بقيم المجتمع المدني: العدالة والحرية والمساواة وسلطة الأمة والانتخاب والتعددية والتسامح وتداول السلطة والحوارية والشورية والسلمية، هي مجال الجهاد المدني الأكبر، من المهد إلى اللحد،هذه خلاصة درس سر تفوق الغرب، ودرس سقوط الاتحاد السفييتي والمنظومة الشيوعية والدول الشمولية. ودروس انحطاط أمتنا العربية والإسلامية بالأمس، هذا الانحطاط الذي لا نزال نستمع بجر خلاخيل قيوده، في غيبوبة صوفية.
المعضلة هي الاستبداد السياسي، سلم القيم مختل في نظام التربية العربية، وهو أساس الداء. وما يظهر على السطح من أزمات, إنما هو أعراض لها وظواهر, لا ينبغي أن تخفي الأسباب الكوامن, ولا ينبغي أن نخلط بين الداء ومضاعفاته, فداء كالسكري والسرطان والإيدز, يفتك بجهاز المناعة, فيصل إلى العيون والآذان, كما يصل إلى العظام والأقدام, ويصل في النهاية إلى الكلى والدماغ, ولا يكفي علاج مريض العيون عند طبيب العيون, ولا مريض العظام عند طبيب العظام, لأن هذه مضاعفات الداء, العلاج الأساسي, ينبغي أن يتجه إلى جوهر الداء نفسه.
لم تتجذر في مفاهيم المجتمع المدني؛في فكرنا التراثي الذي صيغ بعد عصر الراشدين، كالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة والمساواة وحقوق الإنسان، ولم تؤسس فيه. فأنتجت هذه المؤثرات أسلوب تربية اجتماعي يحتذي منهج القلعة المحاصرة، الذي يقوم على التلقين والتقليد والضبط، ويمتاز بقدر غير قليل من القمع والعنف.
إن مستقبلنا في خطر، فيخشى أن يدفع الاحتقان الناس في المناطق إلى المطالبة بالانفصال، أو تنامي العنف، وهما محذوران كبيران، لاسيما وقد دأب النظام السياسي على إلغاء التجمعات الأهلية، التي تستطيع دعمه في الأزمات، إن الهشيم موجود في الداخل والكبريت موجود في الخارج والداخل معا، حتى لو لم تنقسم البلاد ستتنامى الفوضى، لا بفعل خارجي، بل بفعل داخلي، ووظيفة الدور الخارجي، إنما هو استثمار الموسم.
كما أن تفاقم اختلال الأمن يجعل البلاد جاهزة للفوضى، وهي لكي تنحدر في الهاوية؛ لا تحتاج إلا إلى أن يسكت الجميع دون إصلاح سياسي، فثمة تمزق في روح المواطنة، هو أشد خطرا من فواصل جغرافية، بين المناطق الثلاث التي لم تتوحد -بعد الخلافة العباسية-في ظل أي حكم قبل الحكم السعودي.
2=الإصلاحيون يعيدون سيرة زرقاء اليمامة:
يحكي في سالف العصر والأوان، أن أهل اليمامة رزقهم الله بامرأة حديدة البصر، ترى العدو وإن كان يبعد عن الحصن مسيرة ثلاثة أيام، فتخبر القوم فيعدون العدة، وهذا ماجسده الدستوريون في خطاباتهم وبياناتهم، ومرافعاتهم داخل السجون وأمام القضاء.
وقال الدستوريون إن (الملكية الدستورية) هي الحل الوسط:وإن البلاد منذ إنشائها، بحاجة إلى إصلاح دستوري، وكانت الحاجة ملحة ماسة إلى المناداة بالدستور قبل أربعين عاما، أما اليوم فإن إعلان الدستور هو سفينة الإنقاذ الوحيدة المضمونة السلامة، من العواصف والأمواج والسيول.
إعلان الدستور معناه أن أولاد الملك عبد العزيز، قرأوا حكاية والدهم اللماحة:
رأى الملك عبد العزيز كاتبا من كتاب البلاط، يكتب على الجدار:
تعديل والدهم على البيت المكتوب على قصره:
نبني كما كانت أوائلنا تبني وتفعل (مثل) ما فعلوا
فقال :امح كلمة (مثل)، وضع (فوق) بدلا منها، لبصير البيت:
نبني كما كانت أوائلنا تبني وتفعل (فوق) ما فعلوا
إذا استطاع الأمراء الدستوريون الإصلاحيون؛ إقناع الآخرين أن يحذفوا كلمة (مثل) ويكتبوا كلمة (فوق) أي نبني فوق مافعلوا, فهذا هو منطق القيادة السياسية الواعية، وكل الذين نجحوا في التاريخ كانوا يعرفون كيف يأتون بأفكار عملية تناسب زمنهم، فيضيفوا ما يحتاج إلى إضافة , ويبتكرو أفكارا عملية فعالة جديدة، للسير فوق تضاريس جديدة.
وبذلك يكون من يعلن هذه الخطوة؛ لا مجرد عالة كسابقيه على تراث الملك عبد العزيز، بل بانيا مثله دولة الدستور الدولة السعودية الرابعة، التي تخرج من ثنائية تحالف الفقهاء والأمراء الضيقة، إلى رحابة المشاركة الشعبية، وهياكلها الأهلية: دولة الدستور الإسلامية.
وستجدون أن الشعب كله يؤيدكم، ولا غنى لكم عن تأييد الشعب، ولا غنى لكم عن الالتحام به، كما التحم الملك عبد العزيز.
تتلخص الرؤية بتطوير نظام الحكم من ملكية، ذات صيغة مطلقة، الملك فيها هو مرجع السلطات الثلاث،إلى (ملكية دستورية)، أي إعلان عهد صريح بإقامة المملكة على دستور مؤسس على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أي (الدستور الإسلامي) لا العلماني، ويجري عليه الاستفتاء خلال سنة، وعهد صريح بأن يكتمل إنشاء كل هياكل الحكم الدستوري، من مجلس نيابي وقضاء مستقل، ومجالس بلدية منتخبة، وقيام تجمعات المجتمع المدني الأهلية، خلال عشر سنوات.
كل الحلول التي تقدم غير ذالك إنماهي مسكنات وترقيعات، لن تصمد ولن تنجح ولن تكبح رياح التحديات والتغيرات الداخلية والخارجية معا .
هذا ما أدركه وأدركه الحسنيون في المغرب، فأعلنوه قبل ثلثي قرن، كما أدركه من قبلهم الهاشميون في الأردن، فأعلنوا الدستور قبل ثلثي قرن.
وأدركه آل الصباح في الكويت، فبادر عبد الله السالم الصباح فأعلن الدستور، قبل أكثر من نصف قرن.
وأدركه آل خليفة في البحرين فأعلنوا الدستور، قبل قرابة نصف قرن.
وأدركه آل ثاني في قطر، فبادر حمد بن خليفة فأعلن الدستور قبل بضعة أعوام.
وآل سعود اليوم بحاجة إلى أن يعلنوا الدستور، وقبل فوات الأوان، فالزمن يمر بسرعة، وما يؤجل اليوم، قد يفوت وقت إعلانه غداً، هذا ما يقوله علم الاجتماع السياسي، وعسى أن لانقول غدا قولة دريد بن الصمة:
نصحتهمو نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
منطق الاستفادة من فرص النجاح ، يدعو إلى المناداة بإصلاح سياسي، فالذين اعتبروا عبر التاريخ من الأبطال الفاتحين هم الناجحون، والذين اعتبروا فيه خونة ومجرمين هم المخفقون. هذا المنطق لم ينتبه إليه عبد الحميد العثماني، عندما داس الدستور، وأنكر أن الأرض تدور، وظن أن فتاوى التجريم والتخوين والتكفير، تنجيه من سوء المصير.
كيف أصبح العرب أقل قدرة, على التفكير المستقبلي, البعيد المدى, من دول كاليابان وكوريا الجنوبية, استطاعت أن تستوعب ثقافة التقنية والابداع, رغم ما تعرضت له من امتهان وإذلال, وتدمير وخراب.
إن الشعوب التي لم تترسخ فيها قيم المجتمع المدني ومؤسساته، تريد أن تغير الأحوال بأي شكل من الأشكال، وهي في غمرة اليأس والإحباط، تتشبث بكل من يلوح لها بسترة النجاة، فالغريق لا يستطيع أن يسأل عن طبيعة اليد التي تلوح له وهو تحت الماء.
3-العنف نبات صحراوي ولا علاج له إلا بزراعة قيم المجتمع المدني لأن الاختلال في جذور التربية العربية:
رغم أن الصفوة من السلطة العربية المستبدة وأعوانها حاولت التحديث، ولكن أغلب إنجازاتها كان في الأشكال والمظاهر، وتبنت في المضمون خيارا ملفقا يفهم الحداثة السياسية، عبر جهاز التفكير الكسروي والصحراوي، في قناع وطني أو قومي أو إسلامي أو علماني، ومن أبرز الأدلة على ذلك نظم الجامعات التي عدلت لتتوافق مع جهاز التفكير الكسروي الصحراوي، فرسخت التعيين بديلا عن الانتخاب، وأطلقت اسم الجامعة على مدارس لا يتوافر فيها المفهوم الحقيقي للتعليم الجامعي.
ينبغي أولا تصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع،إن العلاقة المثلى بين المجتمع والدولة, تقوم على إقامة العدالة الاجتماعية، ولا يكون ذلك من دون التعاون , الذى أمر الله به فقال ((وتعاونوا على البر والتقوى)) , ولا يكون التعاون إلا بالتراضي، ولا يكون التراضي إلا بتوسيع مجال الشورى، ولذالك أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بإقامة الشورى فقال: ((وشاورهم في الأمر)) والأمر هنا للوجوب, إذ لا قرينة تصرفه عن الوجوب، وما أوجبه الله على نبي ملهم معصوم، فهو فريضة قطعية كلية من فرائض الدين، وكل فريضة كلية قطعية في القرآن، فإنه لا يجري عليها إلغاء ولا تخصيص ولا تقييد.
ولايتم تحقيق الشورى إلا عبر مؤسسات المجتمع المدني، فمؤسسات المجتمع المدني وسيلة لتحقيق العدل الشورى، وهما مقصدان كليان من فروض الإسلام، ومالا تتم الفرائض إلا به فهو فريضة.
ولا تتجسد أكثر قنوات السعي في مصالح الأمة العظمى، إلا بمؤسسات المجتمع المدني، التي تصبح الإدارة العليا والوسطى بلورة لاتجاهها وأفكارها ومدى نضجها، من أجل ذلك لن يكون للأمة صلاح مستقر أو مستمر، دون تفعيل قيم المجتمع المدني، وترسيخها في الحقل الاجتماعي.
إن ترسيخ قيم المجتمع المدني، هي الدواء الشافي، الذي عرفته الأمم، للحفاظ على استقرارها وازدهارها، وهو ضمان سلامتها من التفتت والاضمحلال.
وهو سبيل إنضاج الرأي العام، وإبعاده عن مواقف الهياج والفوضى، والعمل في الظلام، والاتجاه إلى العنف المادي.
لم يعد مجهولاً طريق الفلاح والنجاح، ولا خاضعا للظن والتخمين، ولا ميدانا للتجريب والفشل. فهو أمامنا ماثل عبر صورتين: صورة الأمم الطامحة الناجحة المنتسبة إلى نادي النجوم، وصورة الأمم المتخلفة المتردية في مهاوي وديان الكساح والضياع.
ليس من المنطقي أن نعتبر الدولة العربية بذرة منبتة ليس لها من جذور، أو فاسدة في مجتمع صالح ، فالدولة هي رأس المجتمع ولا يمكن أن يكون الجسد من فصيلة الملائكة الصالحين، ورأسه من فصيلة الشياطين الفاسدين.
إن أول علامة على فساد جسد أي أمة، هي عدم اهتمام الأفراد بالدفاع عن مصالح الأمة العامة العظمى، وما يحتاجه الدفاع من إيثار المصلحة العامة على الخاصة، والتضحية بحظوظ النفوس العاجلة، فصلاح الأمة ليس الصلاح الفردي القاصرالساكن، الذي رسخ في أذهاننا، منذ اختلال ثقافتنا.
ولذالك اعتبر الصلاح القاصر فسادا في محكم القرآن والسنة، ولذلك ربط الله خيرية الأمة بـ”كنتم تأمرون بالمعروف”، كما أشار عدد من المفسرين،وهذا أيضا معروف في سنن الله المعروفة في المجتمعات والحضارات.
إن صلاح الأمة هو الصلاح المتعدي المتحرك،أي الإصلاح، أي قيام الأفراد بالسعي في سبيل المصالح العامة العظمى، حسب ما أسماه الشاطبي”المقاصد الأصلية” للإسلام، باعتبارها أفضل الأعمال وأهمها وأولاها .
أي أن المشكلة التي نعاني منها ليست في الأشخاص بل في الأعراف السياسية، التي انتجت سلوك الأشخاص، من التبسيط الشديد، في مسألة شديدة التعقيد، أن يقول الناس: إن مشكلتنا محصورة في القمم الحاكمة.
الدولة العربية القامعة؛ بنيت على تراث قمعي ضخم أخطبوطي، ماثل في ذاكرتها وذاكرة المجتمع منذ العصر الأموي، امتلأ بتمجيد المستبدين، والتركيز على بطولة الأفراد،واختزال القبيلة بزعيمها، والطائفة الدينية بشيخها، واختزال الدولة بالحاكم،واختزال انتصارات الأمم وهزائمها بأشخاص،واختزال صلاح الوزارة بالوزير، وصلاح المدرسة بالمدير.
وقد زاد الضغط الصهيوني تمسك السلطة العربية المعاصرة بهذا الميراث القمعي، فأوحى لها بأن كرامة المواطن والوطن تتنازعان، فأجلت كرامة المواطن، ووأدت المجتمع المدني، من أجل كرامة الوطن والتصدي للعدوان الخارجي. ولو عرفت رشد السياسة؛ لاعتبرت كرامة المواطن، أي قيام مؤسسات المجتمع المدني، هي حرف الألف من أبجدية من أجل النجاح في معركة كرامة الوطن. فكيف ضاعت مثل هذه البديهية على زعيم كجمال عبد الناصر؟، إنها الثقافة العربية الكسروية والصحراوية.
من المهم إذن أن نبحث عن جذور كل هذه المظاهر، في الثقافة الاجتماعية العربية السائدة.
فالسبب الأساس كامن في الثقافة الاجتماعية، وقد وقف عليه مبكرا، أحد أئمة النهضة الكبار، الإمام الكواكبي في كتاب طبائع الاستبداد، قبل مئة عام، (ولكن كتابه علاه الغبار، كمقدمة ابن خلدون وموافقات الشاطبي من قبله).
قال الكواكبي”الاستبداد جرثومة كل فساد”، أي أن الاستبداد أساس الداء، وبين في فصول الكتاب؛ ما يظهر على السطح من أزمات, إنما هو أعراض وظواهر ونتائج, لا ينبغي أن تخفي السبب المكون الكامن في الجذور. أي لا ينبغي أن نخلط بين الداء ومضاعفاته, فداء كالسكري, يفتك بجهاز المناعة, فيصل أثره إلى العيون والآذان, كما يصل إلى العظام والأقدام, ويصل في النهاية إلى الكلى والدماغ, كما يصيب الإنسان بالخمول والإعياء.
وقد يتصور من لم يدرك طبيعة الداء؛ أن ثقل السمع كامن في الأذن، وأن غبش البصر كامن في العين، و يتصور أنه يكفي العلاج عند طبيب الآذان أو العيون, فلا يدرك أن هذه مضاعفات الداء, وأن العلاج الأساسي, ينبغي أن يتجه إلى جوهر الداء .
لعل هذه الاستعارة تشرح خطأ موقف الذين ينادون بأولويةإصلاح الاقتصاد، أو إصلاح التعليم، أو أولوية تحقيق العدالة الاجتماعية، أو تحقيق كرامة الأمة،من دون أن يعالجوا جرثومة وباء السكري نفسه، الذي أدى إلى اختلال هذه الأعضاء.
إذا عرفنا بليتنا عرفنا لماذا تأخرنا وتقدم الآخرون، لماذا صارت الأمم الأفريقية أحسن حالا منا؟، رغم كثرة كتبنا ومتعلمينا، ومظاهر تحضرنا. لماذا صارت الأمم الإسلامية غير العربية،كإيران وماليزيا واندونيسيا ، أيضا أحسن حالا منا؟، واستطاعت أن تجمع بين الإسلام والتقدم، وهذا دليل على أن المشكلة عربية، وأن لها جذورا في تراثنا، الذي تحول دوره من معين إلى معيق.
ومن أجل ذلك يمكن القول؛ بأنه لم يكن انهيارنا عسكريا ولا اقتصاديا، ولم يكن سببه الأول خارجيا،إنما هو أخطر من ذلك كله؛ فقد كان انهيارا سياسيا، وإنما كان الانهيار التعليمي العسكري والاقتصادي ، من مضاعفات الانحلال ومن مظاهره، لكن جوهر الاختلال كان سياسيا.
الخلل جذري في أعماق الجينات الوراثية السياسية .
لكي ننجومن العنف لعله من المفيد أن نتذكر؛ أن تيار العنف لن يندفع بتعديل مناهج تعليم الدين، ولا بأنياب البوليس، الإنسان العربي؛ لن يجد حبل نجاة من الاستبداد الكسروي والصحراوي، إلا برد فعل من نفس طبيعة العنف الذي مورس عليه،الدولة العربية زادت بما ملكته من أجهزة حديثة؛ خزان الكراهية والعنف، وللعنف نسق فكري وعملي يمتلئ حقله الدلالي، بمفردات النفي والإلغاء والجبر،والإقصاء والاستئصال والقتل، وهو إنتاج سياسي المنشأ،يعاد تركيبه وتوظيفه تلقائيا، في الدين والتربية والإدارة والشئون الاجتماعية.
من أجل هذا يمكن أن تستعمله الدول ومعارضوها معا، والعنف إذن وفي لمنهجه، وليس وفيا لمنتجه. من الطبيعي أن ترتدي ردود الأفعال،طابع العنف المادي في مجتمعات لم تترسخ فيها أعراف التعبير السلمي،ولم تتقن لغة العنف الرمزي.
وقبل أن نتوسل إلى الآخرين باحترامنا وكف شرورهم عنا، علينا أولا أن نصلح بيوتنا من داخلها.
وبين الإصلاحيون أن إن مؤسسات المجتمع المدني، تجسيد لمبدأ التواصي على الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإسداء النصيحة. الذي يصبح فيه المجتمع والدولة، كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعض، فإذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، بالحمى والسهر.
وهي آليات مناسبة، تجسيد لقيم عظيمة في ثقافتنا كالأمر بالاعتصام بحبل الله:”واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا”. والأمر بالتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق.
من أجل مزيد من الازدهار، وصياغة الاستقرار، ومن أجل تجنب اختلال العلاقة بين القمة والمجتمع، لابد للمجتمعات العربية عامة، والخليجية خاصة، من نشر ثقافة المجتمع المدني وإنما يتم ذلك بتناغم بين صفوة المجتمع من رموز رسمية وشعبيه، ودينية وثقافية، واجتماعية واقتصادية، بالتنادي إلى شعار الإصلاح: المجتمع الشورى هو سفينة الخلاص، ومؤسسات المجتمع المدني هي المفتاح.
من أجل ذلك يصبح من أولويات الحكومات التي تريد السلامة من التطرف والعنف حقا أن تبادر إلى خيار المجتمع المدني، وإن كان الوصول إليه لايتم بالقفز فوق الواقع، إنما يتم بالتدرج عبر خطوات يفضي بعضها إلى بعض:
1-تفعيل قيم المجتمع الشورى، كالتحاور واحترام الآخر، والروح الجماعية، والحيوية والمبادرة، ولا يكون ذلك إلا بترسيخ قيم روح الكرامة والمساواة والعدل.
2-دعم مؤسسات المجتمع المدني/ القائمة كالمساجد، والأندية الثقافية ورفع القيود التي حولتها من مؤسسات مجتمع أهلي، إلى مؤسسات حكومية.
3-توسيع مساحة حرية القول، في الصحافة، وسائر وسائل الإعلام الأخرى.
4-الإذن بإنشاء جماعات المجتمع المدني ، في مجالاتها الخمسة: السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمهنية، على اختلاف مسمياتها من جماعات وجمعيات، وروابط ونقابات، ومنابر ومنتديات، ومجالس وديوانيات.
من الطبيعي أن لا توجد قيم المجتمع المدني ، بقرار يصدر من هيئة أو سلطان، ولكن من الطبيعي أن تكون البدايات والمبادرات، ومن الممكن أن يكون تطبيع الجو كفيلا بها، أو لم تبدأ عملية ترويض الأمة على الاستخذاء، بقرار سلطاني،من مستبد استغل الاختلال، فلماذا إذن لا يمكن رد عيون الأمة إليها بعملية جراحية؟، لاسيما وجو الاختلال اليوم، تعلن صفارات إنذاره الاستياء العام. مؤسسات المجتمع المدني هي التى توسع دائرة المشاركة الشعبية , ولا سيما في القرارت الرئيسية والمصيرية، لأن ذلك هو ضمانة الحفاظ على المصالح العامة. وهو علامة العلاقة الطبيعية بين المجتمع وقيادته السياسية. التي تنتج الرضا وشعور الناس على اختلاف اتجاهاتهم ومنازلهم وأعراقهم وأقاليمهم, بالإحساس بالمسئولية، وتجسيد اهتمامهم بالشأن العام.
ينبغي أن نقول مثل هذا، حين نحاول الاقتراب من جدلية الإرهاب، لكي لا نتقمص شخصية أحد شعراء النفاق والمديح، عندما نرى الزلازل والبراكين، فنحسن التعليل ونلزم أدب المماليك، فنردد ماحفظه لنا من علمونا-إن كنا تعلمنا-شيئا من البلاغة،ونردد كالجوقة في معبد وثني يوناني:
ما زلزلت مصر من كيد ألم بها×لكنها رقصت من عدلكم طربا
4-المجتمع المدني قبل استشراء جدلية العنف والهيمنة الأجنبية:
في مناخ القمع وأوهام الإنجاز؛ ارتفع مؤشر اختلال العلاقة بين المجتمع والدولة العربية القمعية، فشاع السخط الاجتماعي، وتضاعفت كراهية السلطة. لأن كل سلطة لا يشاركها الرأي العام في إنتاج قراراتها، لا يمكن أن ترضيه،ومواقفه تجاهها لا بد أن تكون هي الكراهية.
والنتيجة-حتى لو لم يثر العنف- أن الاستبداد السياسي، أنتج حصون التربية المغلقة، وانهارت اليوم قلاع التربية المغلقة، أمام الحداثة الإعلامية والتربوية التقنية المفتوحة، من قنوات ومواصلات واتصالات، وانبهر الناس بما في الغرب من حرية براقة وعدل جذاب. فوقعوا بين داخلي طارد وخارجي جاذب، فصاروا جاهزين ؛ لاستقبال الثقافة الإمبريالية والعلمانية، ثقافة الاسترخاء والاستيراد. لأنهم عانوا من القهر والفقر وجوع الكرامة والمساواة، ودمرهم اليأس والإحباط، حتى فقد غير قليل منهم الإحساس بالهوية؛ فصاروا يرنون إلى كل ناعق يلوح لهم بسترة النجاة، فالغريق لا يستطيع أن يسأل عن طبيعة اليد التي تلوح له، وهو مهدد بالغرق تحت الماء، ويتطلعون إلى الخلاص، ولو كان أجنبيا:
كفى بك داء أن ترى الداء شافيا×وحسب المنايا أن يكن أمانيا
ولن تكون النجاة من كل هذه الأزمات؛إلا بإدراك أن الاستبداد جرثومة كل فساد، وأن الشورى نواة كل صلاح، هذه هي الحقيقة التي عرفتها كل الأمم والشعوب، وخاضت في سبيل اكتشافها أنهارا من الدماء والمآسي والحروب.
فهل آن أوان إعلان سقوط حصون التربية القمعية؟،وهل آن للنخب العربية أن تنبذ أوهام العقل السياسي الكسروي الصحراوي، لكي تدرك أنه لاصلاح للعباد ولا للبلاد، إلا بماجربته الأمم في كل الملل والبلاد: الدولة الدستورية.
التاريخ يصيح بنا في كل نكبة”ياقوم قد نصحت لكم ، ولكن لاتحبون الناصحين”، و لكن ما أكثرعبر التاريخ التي تمر بأمتنا،وما أقل الاعتبار. تاريخنا العربي دائما ينبهنا فلاننتبه، وعسى أن لايقف على حطامنا، منشدا مع دريد بن الصمة:
بذلت لهم نصحي بمنعرج اللِوى× فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
5:تعزيز شرط البيعة صدور الحكومة عن شورى نواب الأمة أساس معالجة العنف:
وبصرف النظر عن اضطراب الآراء الفقهية؛ فإن المنخرطين في العنف إفراز سياسي، لأحوال الاحتقان والغليان وانسداد الأفق، والحقيقة الاجتماعية هي الأساس الضغط يسبب الانفجار، كماقال الرئيس الأمريكي الأسبق “أي دولة تجعل التغيير السلمي مستحيلا، تجعل التغيير الثوري حتميا”.
وهذا العنف لايمكن علاجه بسيف أملح ولا أحمر، ولا بحملة إعلام ولا بحملة فتاوى، ولا بسجون ولا بتعذيب، بل إن السجون و التعذيب والقتل تزيده اشتعالا، لأن العنف ليس هو أصل المعضلة إنماهو إفرازها وثمارها وفروعها ومضاعفاتها وتداعياتها، المعضلة هي إخلال الحكومة على العموم ووزارة الداخلية على الخصوص بشرط البيعة الأكبرعلى الكتاب والسنة: صدور الحاكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين، واكتفائه بالصدور عن رهط من الفقهاء يبررون توجهاته أولا. ثم إيغالها في قمع حرية الرأي والتعبير والتجمع ثانيا.
ثم تحويلها السجون من طابع التعويق إلى طابع التضييق والتعذيب ثالثا
ومن أجل ذلك نقرر علم اليقين الذي تشهد له البراهين، أن العنف لم يكن نبتة فطرية، وأن سياسة وزارة الداخلية القمعية هي المولد الأساسي للعنف أولا، ثم إن أسلوبها في علاجه هو أكبر مغذ ثانيا، لأنها لا تعالج بواعث العنف السياسية-وهي الأساسية- بل تعالج إفرازاتها، على طريقة العسكر الجزائرية والتونسية، كمن يعالج مريضا نفسيا بالأدوية، من دون أن يحل له المشكلات التي أنتجت مرضه.
والعلاج الصحيح للعنف إنما يكون بأمرين معا:
الأول: قيام الدولة بتعزيز شرط البيعة الأكبر:التزام الحاكم بالصدور عن قرارات نواب الأمة المنتخبين ، وفق إجراءات مؤسسية محددة، تضمن التزام الحكومة بذلك ، لأن الحكم وكالة عن الأمة وليس وكالة عليها، ولا تفويضا إلاهيا، وتسريع الإصلاح السياسي، وإعلان أجندة محددة بخطواته، وأوقات تنفيذها .
الثاني: إن الأسلوب الشرعي تجاه الحاملين السلاح في وجه الحكومة، هو محاورتهم فإن كانوا يطالبون بمطالب شرعية كالعدل والشورى وبأن لا تصدر في قضايا الأمة الكبرى، إلا عن رأي أهل الحل والعقد من أعيان الأمة البصراء بالسياسة، الذين يثق بهم الناس فيقدمونهم وينتخبونهم والمساواة وتكافؤ الفرص وحرية الرأي والتعبير والتجمع وتولية الأكفياء العدول وحفظ الأمة من الاختراق التربوي وحفظ مال الأمة من الضياع والتبذير وتحكيم الشريعة في كبير الأمور قبل الصغير، وجب على الحكومة تنفيذها، لأنها داخلة في شروط البيعة. وإن كانوا متهمين بغير ذلك ، فإن ثمة مسطرة ذات إجراءات محددة، للحكم بالتجريم والبغي والتضليل، ينبغي للدولة سلوكها، وهذا مانص عليه فقهاء السياسة الشرعية، كابن تيمية والماوردي والقاضي الفراء.
ويذكر الموقعون الحكومة بأهمية الإلتزام بالمعاجة الشرعية للعنف لاسيما أن ذلك يزيل شبهة ارتباط المعالجة بالأجندة الأمريكية والصهيونية التي جعلت (الحملة على الإرهاب) قناعا لتدخلاتها في شئون الدول العربية والإسلامية، ولضرب حركات الوعي السياسي في الأمة العربية والإسلامية، ولاستعداء الحكومات العربية على الأحرار ودعاة الإصلاح السياسي عامة والإسلاميين خاصة، والتنكيل بهم وتعذيبهم في السجون واتهامهم بالتهم الأخلاقية والجنائية كالمخدرات، من أجل تحطيمهم نفسيا وعقليا وجسديا أو جرهم إلى حمل السلاح وتمكينهم من الحصول عليه، من أجل ضبطه وهو بحوزتهم، واتخاذ ذلك مبررا لضرب الإصلاح السياسي.
6=وزير الداخلية يتهم زرقاء اليمامة بالعنف:
ولكن الإصلاحيين صاروا في خبر كان، فقد استطاع معوقو الإصلاح أن يرهبوهم، أن يدخلوهم في السجون ويشغلوهم بالتهم الملفقة المتكررة: دعم الإرهاب، تمويل الإرهاب، أي بدلا من أن يصبح منتهكو حقوق الإنسان من أمراء وقضاة وفقهاء وموظفين ومثقفين في قفص الاتهام، بتهمة ارتكاب جرائم إنسانية، أو بتهمة كون سياستهم القمعية سببا أساسيا في الإرهاب العالمي الذي زعزع الأمن العالمي، وسببا أساسيا في العنف الذي ضرب البلاد،أو بسبب اشتراكهم في سحق كرامة الشعب عبر التبرير والتخويف والتجهيل وقبضهم الجوائز والمناصب والقصور والشيكات، ثمنا لبيع الذمم في مهرجان الذل والخيانة.
من أجل ذلك جاءت ديباجة كل خطاب إصلاحي، وكل مرافعة قضائية عبارة جاهزة مكرورة، تذكركم يا خادم الحرمين الشريفين وتقول :
نكرر ونكرر ونكرر مرة ثالثة وعاشرة ومئة مرة أخرى لكي لا تشوه وزارة الداخلية تيار شروط البيعة على الكتاب والسنة: الشورى الدستور الإسلامي وحقوق الإنسان والجهاد المدني السلمي، وتتهمهم بدعم العنف وتبريره، نذكر بأننا في كافة مقولاتنا وأعمالنا ملتزمون بمنهج الإصلاح الجزئي السلمي.
نكرر ونكرر ونكرر مرة ثالثة وعاشرة ومئة مرة أخرى إننا لانبرر الإرهاب عندما نفسر أسباب نشوئه الأساسية، وعندما ندلي بدلونا -بصفتنا شركاء في الوطن-في تقديم تصورنا للخلاص من العنف ونقول بصراحة واطمئنان:لا حل للعنف ولا للعنف المضاد إلا بإصدار عهد دستوري أولا، وسلوك أسلوب الحوار ثانيا، والتزام الدولة بمسطرة شرعية محددة للمبادئ و الوسائل الشرعية والعملية التي قررها الفقهاء والقانونيون في الدول الدستورية، وعلماء الاجتماع السياسي لتحديد مفهوم الجريمة السياسية، والتزام إجراءات عدلية واقعية للتجريم، وأحوال الخروج على الدولة بالسلاح.
7= أهل اليمامة الجدد فقأوا عيون الزرقاء، لأنها توقعت العنف
كان سؤال المحقق الذي حقق مع دعاة الدستور في سجنهم: لقد توقعتم العنف في بيان(الإصلاح الدستوري أولا)وقد وقع العنف، هذا دليل إذن على علاقتكم بالعنف!
هذا ما قاله أهل اليمامة في العصر الجاهلي، من رأى أن ثمة عدوا مهاجما، ونحن لانراه فهو إذن متحالف مع الأعداء، وهكذا قتل أهل اليمامة الزرقاء ولعلهم سملوا عينيها حتى لاترى، وعندما قتلوها ظنوا أن المهاجم لن يأتي، كما تفعل النعامة، تدفن رأسها في الرمال، وتظن أن المهاجم لن يأتي.
تاسعا: تشكيل لجنة تقصي الحقائق لكي لا تضرب الحقوق السياسية باسم محاربة الإرهاب وحفظ الأمن والذب عن العقيدة؛
ياخادم الحرمين:
قبل أن تقتل وزارة الداخلية مزيدا من البراعم الغضة المطالبة بحقوقها السياسية، ولكي لا تتمادى بأساليب الطعن من الخاصرة، وتلفيق تهم مخدرات وزندقة وفجور ودعم إرهاب وجنايات
لعلنا نستطيع أن ننبه إلى خطورة تماديها، فنطالب بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة منذ 30عاما لأنها وصلت إلى مستوى”جرئم ضد الإنسانية”. ولأنها من أهم الأسباب الخفية للعنف العالمي والمحلي ولا سيما أحداث 11سبتمبر ،ولأنها تسيء إلى دين الأمة، فتحرفه ليخدم انتهاكات حقوق الإنسان والفرعنة والتخلف.
ياخادم الحرمين الشريفين
إن حقوق الشعب مدنية وسياسية لا تتسقط بالتقادم، وإن الذين ألهب ظهورهم سياط الجلادين لن يتنازلوا عن حقوقهم، والذين أصدر القضاة عليهم أحكاما لا يتناسب فيها العقاب مع الجريمة، لن يتنازلوا عن كرامتهم، فضلا عن من جرموا على أمور وقعت المملكة على أنها حقوق مصونة،والذي شوه سمعتهم كتاب الظلام لن يتنازلوا عن حقوقهم،ولن يبيحوا أعراضهم وسمعتهم، لأن الكرامة أغلى من الحياة، ومن يفرط بالكرامة لايستحق الحياة، ولا تكون حياة دون إنصاف ومساواة.
المعذبون يريدون حقوقهم من من اعتدى عليهم سواء أكان أميرا أم قاضيا أم وزيرا أم محققا أم سجانا أم جنديا.
ومن أجل ذلك نتقدم إليكم مطالبين بتشكيل هيئة وطنية تدرس مدى مسئولية وزارة الداخلية في زراعة العنف.
من بعد ذلك نطالب بإنشاء لجنة عنوانها(المصارحة والإنصاف والمصالحة)، لكي لا تتكرر أجواء انتهاكات حقوق الإنسان مرة أخرى.
وقيام الجهات الرسمية بالتثبت والفحص؛ قاعدة مرعية في علم الإدارة السياسية، اتفقت عليها الإنسانية، وأيدتها السياسة الشرعية. لأن هذه الأمور لا يستطيع الأفراد العزل الذين لايركنون إلى ركن مكين إثباتها، مهما كان لهم من النشاط والإقدام، لأن من ينتهك النظام والقانون سرا؛ لا يكاد يترك شاهدا أو قرينة قوية تدينه، ولكن البينة القاطعة لا تلزم المشتكي، بل ينبغي للدولة القيام بالتحري والتثبت.
ومطلوب من الوزارة نفسها أن تثبت حسن نيتها، فتفتح ملفاتها للفحص، لأن الشفافية والمكاشفة والمصارحة؛ مؤشر مهم على الاستقامة والرغبة في تنقية الأجهزة من حشرات الفساد.
ياخادم الحرمين:
إن الناس ليسوا على قدر كبير من البلاهة، لكي يقتنعوا بما تسوقه وزارة الداخلية من أسباب العنف، كما وضح عدد من دعاة حقوق الإنسان، في خطاب الـ77ناشطا حقوقيا.
وننتظر إحياءكم سنة مساءلة الكبار، وإيصال رسالة :لا أحد فوق قانون الشريعة:
وأخيرا ياخادم الحرمين:
بإنشائكم ( لجنة تقصي الحقائق ) تقدمون نموذجا حيا فعالا، تحيون به سنة عدل، وترسخون قاعدة تنفي تقديس الأشخاص، وتسمح بمقاضاة الوزراء والأمراء، وترسلون رسالة لجميع المسئولين: لا أحد فوق قانون شريعة العدالة.
وقد تحملتم التبعة أمام الله وأمام الشعب وأمام الأجيال الحاضرة والقادمة وأنتم تعلمون أن عدل ساعة خير من عبادة ألف سنة.
ونحن على كل حال؛ لا نستهين بسطوة وزير داخلية، بل ولا نأمن بطشه، عبر أي من الموبقات الفظيعة الشنيعة، السرية والعلنية التي ذكرنا. لكننا قررنا أن نصدع بما نراه حقا وعدلا.
جمعية الحقوق المدنية والسياسية
في المملكة العربية السعودية
الرياض
( 6 / 2 / 1431هـ الموافق 21 / 1 / 2010م )
بارك الله فيكم
نعم يا اهل الاصلاح نريد الزيد
هذه الحكمه وقل الحق
جرائتكم تزيد من حب الناس لكم
تعبنا من المجاملات الكذب
نريد من يتكلم بكل حقيقه وصدق
نفع الله بموقعكم وتجمعكم
وفقكم الله
نعم عدل ساعة خير من عبادة الف سنة وجادلهم بالتي هي احسن والشيطان ليس بسلطان والحمد لله ربي العالمين