مذكرة (القضاء غير المستقل أحد أركان الظلم التي أنتجت العنف، فكيف تؤتمن محاكماته السرية للعنف على العدالة؟)
أولا: لماذا مع كثرة صراخ بيانات حقوق الإنسان يزداد صمم آذان الولاة والقضاة؟:
أ=كثرة صراخ بيانات دعاة حقوق الإنسان:
منذ حربي الخليج الأولى والثانية وانتهاكات حقوق الإنسان على العموم، والمتهم على الخصوص تتضاعف، وناشطو حقوق الإنسان ينددون، ويطالبون الدولة بالالتزام بحماية الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين.
ويركزون على الخصوص على ضرورة محاكمة المتهمين، وفق ضوابط العدالة، التي قررتها الشريعة، قبل أربعة عشر قرنا من قيام الثورة الفرنسية، بإعلان حقوق الإنسان 1876م، وقبل خمسة عشر قرنا من قيام الأمم المتحدة، بإصدار معايير استقلال القضاء، وقد ركزت جماعات حقوق الإنسان على أهمية رعاية تلك الحقوق، من خلال بيانات ومقالات وكتب ومحاكمات، يصعب عدها-في مثل هذا الخطاب- فضلا عن تفصيلها.
وخص تيار الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان -بجميع أطيافه- قاعدة علانية المحاكمات، بمزيد من المطالبات والعناية. لأن الدولة منذ إنشائها لا تعترف بعلانية المحاكمات، ولأنها تقدم تلك الانتهاكات، عبر الفقهاء والقضاة الخانعين، لوزير الداخلية جهلا وغفلة ورغبا ورهبا؛ باسم تطبيق الشريعة. ومن تلك الخطابات:
1 = القضاء السري:تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم:
الذي أرسله دعاة الدستور وحقوق الإنسان من سجن عليشة يوم الثلاثاء 27/01/1426هـ( 08/03/2005م ).
2 = نطالب بإنشاء (لجنة تقصي حقائق) انتهاكات وزارة الداخلية حقوق الإنسان،لاعتبارات أهمها ثلاثة:
– أولا: أنها ممنهجة وصلت إلى مستوى”جرائم ضد الإنسانية”.
– ثانيا:ولأنها تحرف الشريعة لتأصيل الظلم و الاستبداد والتعذيب والتخلف وقمع التعددية والمساواة.
– وثالثا:لأن هذه الانتهاكات من أهم أسباب الإرهاب العالمي و المحلي ولا سيما أحداث 11سبتمبر.
وهو من أعمق وأوسع الخطابات تأصيلا وشرحا، لانتهاكات حقوق الإنسان السياسية والمدنية.
3=خطاب المحاكمات السرية تعتيم على أسباب الاحتقان لتجاهل العلاج السياسي:
وهو الإلتزام بشروط البيعة على الكتاب والسنة : العدل والشورى وحقوق الانسان )، الذي وقعه سبعة وسبعون ناشطا حقوقيا سعوديا، وقد أرسل عندما أعلنت وزارة الداخلية عن أن 991 متهما أحيلوا للمحاكمة في قضايا متعلقة بالإرهاب، فأصدرته مجموعة من دعاة الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان؛ وهو-أيضا-من أكثر الخطابات شرحا لانتهاكات حقوق المعتقلين، ولا سيما حقوقهم في محاكمات عادلة. وقد برهن على بعد هذه المحاكمات عن شريعة العدل، رغم التشدق بها.
وقد أرفقت معه مذكرة بعنوان: (المحاكمات السرية ظالمة باطلة لخمسة وعشرين سببا)، وقد بعثهما الناشطون الحقوقيون (الـ77) للملك، وأرسلوا نسخا منهما لعشرين من كبار المسئولين في الدولة، في يوم الاربعاء 18 جمادى الأولى 1430 هـ الموافق 13 مايو 2009م.
ب=صدى الخطابات في آذان القضاة:
وقد كان صدى هذه الخطابات؛ في آذان القضاء سلبيا تجسد في أمرين:
الأول: رفض رئيس المحكمة الجزائية الخاصة، القاضي عبد المحسن آل الشيخ، استلام نسخة من الخطاب، دون إبداء الأسباب.
الثاني: كما رفضت وزارة العدل الاستجابة أيضا ، لكن بأسلوب المداورة، فقد صرح مستشار وزير العدل والمتحدث الرسمي بوزارة العدل الدكتور عبدالله بن حمد السعدان، في تاريخ 21 رجب 1430 هـ الموافق 14 يوليو 2009م -بعد الخطاب بحوالي شهر-تصريحا،نشر في صحيفتي الرياض واليوم اتسم بتعذيرات وتبريرات واهية.
وقد اعتمدت هذه التصريح على مقدمات وقواعد رجراجة، من أدبيات القضاء الأموي والعباسي، الذي لا ينبثق من مبدأ قوامة الأمة على حكامها، بل يجعل القضاة والحكام، هم (أولي الأمر)، وكأن التصريح أراد إشغال طلاب إصلاح القضاء بالجزئيات والشبه، وكأنه ليس للعدالة والشريعة معنى كلي، وإنما هما كقطع الفسيفساء، يركبها كل نقاش كما يشاء،لذلك لن ننشغل بمناقشتها، لكننا نشير إلى نمط حججه العباسية في رفض مبدأ العلانية.كما يلي:
1- عللت التصريح مناسبة صدوره، أنه جاء عقب اصدار احكام ابتدائية لـ(330) متهما -وهو يتجاهل تجاهلا متعمدا أنه -يرد بشكل غير مباشر على خطاب التنديد بالمحاكمات السرية الذي وقعه 77 ناشطا حقوقيا. وكأنه يقول بلسان الحال: فمن هي تلك الشرذمة من دعاة حقوق الإنسان،التي تعترض على القضاء السري؟!
2-ادع التصريح “أن الأحكام التي تصدر عن المحكمة الجزائية المتخصصة كغيرها من الأحكام القضائية يتم الاعتراض عليها من ذوي الشأن ومن محكمة التمييز، طبقاً لنظام الإجراءات الجزائية والقواعد المكملة له في نظام المرافعات الشرعية”، و كلامه مرسل لا دليل عليه.
3-واعترف التصريح أن العلانية معيار أساسي، ولكن التصريح ساق مبررات القضاة في ترك هذا المبدأ، فقال” ان العلانية من الأمور المقررة في النظام، ولكن الأولويات في الحضور ينبغي مراعاتها، فالأولية لذوي المتهمين وذوي المجني عليهم ثم وسائل الاعلام ثم من يرغب من الكافة حسب الطاقة الاستيعابية لقاعة المحكمة”. وهكذا صارت رقابة الأمة على القضاة هدرا، وكأن أصحاب الحق في القضايا السياسية، هم ذوو المتهم المستضعفون،وكأننا أمام قضايا صغرى، ولسنا أمام قضايا كبرى، يتراوح تقدير المتهمين بها مابين عشرين إلى خمسين ألف.
4-واعترف التصريح، بأن” الدفاع عن المتهم أمام المحكمة، من الحقوق التي كفلها الشرع والنظام، وأن المتهم له الحق أن يتولى الدفاع عن نفسه بنفسه، وله كذلك توكيل من يدافع عنه من المحامين، مشيرا إلى أن “المحكمة المتخصصة قبل بداية المحاكمة تبلغ المتهم؛ بأن من حقه الدفاع عن نفسه، أو توكيل من يدافع عنه من المحامين، وقد أوكل بعض المتهمين محامين للدفاع عنهم، والبعض الآخر فضل عدم الاستعانة بمحامٍ، فيما طالب عدد من المتهمين المحكمة، بتوفير محامٍ للدفاع عنهم”.
وهذه مغالطة كبرى، فلماذا في هذه المرة صارت المحكمة هي التي تهيئ للمتهمين المحامي بدلا من ذويهم؟، وهناك أكثر من محام لم يمكن من لقاء المتهمين، وقد جرت العادة على أن لا تسمح المباحث للمعتقل بأن يوكل محاميا؛ إلا بعد ضجة إعلامية،ولدى الجمعية براهين تنقض هذا الادعاء.
5-وقال التصريح: “إن الوزارة على استعداد لتهيئة الاجراءات ذات العلاقة، لتمكين كافة وسائل الاتصال للحصول على الموافقة المسبقة، مع مراعاة أن جلسات القضاء علانية، تخضع لقرار المحكمة، وفق نص المادة 155 من نظام الاجراءات الجزائية، التي نصت على أن جلسات المحاكم علنية, ويجوز للمحكمة ان تنظر الدعوى كلها او بعضها في جلسات سرية او تمنع فئات معينة من الحضور فيها مراعاة للأمن، أو محافظة على الآداب العامة، أو كان ذلك ضروريا لظهور الحقيقة”.
وقال التصريح: “إن إعلان الأسماء يدخل في نطاق التشهير، والتشهير يدخل في نطاق العقوبات والجزاءات، والمختص بهذا الأمر هو القضاء”
وهذا كلام واضح البطلان، لأن وزارة الداخلية تعلن أسماء المطلوبين والمعتقلين في القضايا الجنائية، وتنتشر أخبارهم في أوساط أسرهم وجيرانهم ومعارفهم, بل وفي بعض الاحيان تبث اعترافاتهم في وسائل الاعلام، قبل وصول قضيتهم الى المحكمة, ولا يوجد مبرر منطقي للتعتيم، على محاكمة سياسية على الخصوص، حتى لو سميت جنائية، في الأنظمة المحلية، فهي جرائم سياسية، في القانون الدولي.وكما علم الناس اعتقالهم، ينبغي أن يعرفوا أيضا من ثبتت براءته، ومدى عدالة الحكم على من ثبت اتهامه.
لكن الملاحظ أن الحكومة السعودية؛ لم تف بتعهداتها بعلانية المحاكمات، ولم تف بتعهداتها الالتزام بمعايير المحاكمة العادلة، ولم تف بتعهداتها بضمان حقوق المتهم، واستمرت هذه المحاكمات في سرية مطبقة، بعيدا عن متابعة الصحافة ووسائل الاعلام المحلية والدولية، وفي غياب رقابة المنظمات والهيئات الحقوقية.
ولازال شهود عيان يلاحظون -حتى بعد صدور بيان الـ77 الذي على إثره أعلنت وزارة العدل؛ اهتمامها بعلانية المحاكمات-؛ تتابع وصول المتهمين الى مقر المحكمة الجزائية الخاصة بالقضايا الأمنية، في سيارات إسعاف مصمتة (دون نوافذ)، ومحاطة بعدد كبير من سيارات الشرطة، وإدخال المتهمين الى قبو المحكمة، حيث ينقلون عبر مصاعد محددة، إلى مقر المحكمة الأمنية، في الطابقين 11 و 12 بمبنى المحكمة الكبرى بالرياض، وهذا دليل قاطع على استمرار المحاكمات السرية، وعدم الوفاء بوعد العلانية.
ثانيا=لماذا لم يستجب القضاة لأي التماس ؟:
لم يستجب القضاء لأن الخلل في استقلال القضاء منهجي، ففيه أكثر من أربعين قاعدة من قواعد التخلف القضائي التي ترسخ الظلم، وتحيق بما للناس من حقوق وحريات، ومنها:
1=ولي الأمر أدرى بالمصلحة.
والقضاء السعودي لا ينبثق من قاعدة قوامة الأمة على حكامها، بل من قوامة الحاكم على الأمة، وشعاره العتيد في ذلك: “ولي الأمر أدرى بالمصلحة”، ونص نظام القضاء على أن الملك؛ هو مرجعية القضاء، فالقضاء-إذن- ليس سلطة مستقلة، رغم زبارج التعديلات الثانوية، التي احدثت عقب مطالبات الحراك الحقوقي والدستوري.
2=”ولي الأمر هو القاضي الأصيل،وما القاضي في المحكمة إلا وكيل عنه :
تنص قواعد القضاء السعودي، على أن القضاة ليسوا إلا وكلاء عن الملك، وهذه القاعدة تصاغ بعبارة جاهزة، درج عليها الفقهاء الخانعون في ظلال الجور الأموي والعباسي هي “ولي الأمر هو القاضي الأصيل، وليس القاضي في المحكمة غير وكيل”. وبمقتضى هذه القاعدة صار من حق وزير الداخلية، أن يحدد درجات بعض العقوبات، في لائحة يلتزم بها القضاة.
بل صار من حقه أن يضع لائحة لعقوبات المدانين بالعنف، لا سيما وقاعدة التعزير تلين في يديه كما يلين العجين، فيمده من ضربة بالسوط إلى ضربة بالسيف.
وقضية عبد الله الحضيف رحمه الله، من القضايا، التي ينبغي تقصي حقائقها، إذ يقال إن العقوبة ظلت تتزايد بين القاضي الوكيل،عبر تدخلات القاضي الأصيل، بتغليظ العقوبة، حتى وصلت إلى الإعدام، أو أن القاضي الأصيل: وزير الداخلية ظل يطالب بالتغليظ، حتى فهم القاضي الوكيل إيحاءه، فحكم بالإعدام!.
3= ولأن القضاء السعودي من دون قواعد محددة موحدة مدونة معلنة:
فالحكم فيه أشبه ما يكون بالألغام، التي قد تثور بأرجل الناس وهم لا يدرون، ولذلك فإن بعض الشركات الأجنبية؛ تشترط في عقودها جهات تحكيم خارج البلاد، لفض النزاعات التجارية المحتملة، وتدفع تأمينا ضد مخاطر القضاء، تسميه التأمين ضد أخطار (الشريعة)، وياليتها قالت: ضد ألغام القضاء السعودي، الذي يحكم من دون قواعد قضائية محددة، تعرض للأخطار في القضايا الاقتصادية، أما في القضايا السياسية فتعرض الأحرار للتدمير. لأن هذه الألغام ليست ناتجة عن تطبيق الشريعة الإسلامية،بل عن تطليق الشريعة وتطبيق الأهواء.
4= ولأن التعزير من ضربة بالسوط إلى ضربة بالسيف:
لأن قاعدة التعزير تجعل حق التعزير مفتوحا للقاضي، من ضربة بالسوط إلى ضربة بالسيف.
5=ولأن القضاء السعودي يجيز التعذيب و يدلس عليه:
والأدلة التطبيقية على ذلك كثيرة لا تحصى، وقد دافع عن نظرية التعذيب قضاة بارزون في القضاء السعودي،(انظر أبحاث ندوة حقوق المتهم، التي أصدرتها وزارة الداخلية نفسها في مجلدين).
6= ولأن القضاء السعودي فوق إجازة التعذيب: يأخذ باعترافات الإكراه ويصدقها، ويبني عليها أحكاما كرها وطوعا:
وفوق كون القضاء السعودي يجيز التعذيب و يدلس فيه، فإن المحاكمات السرية خير وسيلة لكتمان مصادقة القضاء على إقرارات الإكراه.
7= القضاء عاجز عن رقابة السجون بل ممنوع من ذلك
على الرغم من أن القوانين الدولية التي وقعتها الحكومة، والقوانين الإسلامية، التي تعلن تطبيقها؛ تصرح بحق السجناء في أن يراقب القضاء دور الاعتقال والسجن، وأن يكون مسئولا عن خلوها من انتهاكات حقوقهم، ولا سيما سلامتهم من التعذيب والتضييق، وعزل المتهم انفراديا أكثر من شهر( وهي الحد الأقصى دوليا وإسلاميا).
وفوق ذلك لا تتيح وزارة الداخلية؛ للقضاء أن يشرف على السجون، فهو بذلك يحكم بعقوبات لا يدرى مدى تناسبها مع الجرائم، وعقوبات يشمل أثرها الأسر وأولاد السجناء، ولاسيما ضحايا المخدرات، الذين ييلغون حوالي ثلاث مئة ألف إنسان،(كما ذكرت جريدة عكاظ يوم الجمعة14/6/1431هـ)أي أن أفراد أسرهم عرضة للفقر والحرمان والتشريد.
بل إن القضاة-كما في القصيم مثلا-يحضرون حفلات الوعظ وحفظ القرآن في السجون، دون أن يطلوا على محكوميهم ليتأكدوا هل أسهمت أحكامهم المغلظة-ولا سيما في قضية المخدرات-في صلاح السجناء أم زادت الطين بلة بتشرد أسرهم، بسبب فساد إدارة السجون وجهل القائمين عليها وغلظتهم، وجهلهم بحقوق الإنسان، وترك الدولة أولادهم بلا رزق من بيت المال.
8=وزارة الداخلية سلبت جهاز القضاء حقه في التحقيق مع المتهمين:
وجعلت التحقيق لضباط المباحث، في أغلب الحالات، ولهيئة التحقيق والادعاء العام التابعة لها.ومع أن تبعية هيئة الادعاء والتحقيق لوزير الداخلية؛ إعلان للعالم بأن القضاء السعودي غير نزيه ولا مستقل، فإن تحقيق رجال المباحث وتعذيبهم أشد وطئا وفتكا “إثبات البينة عند الشرطة لا يعتبر، حيث إن الشرطة لا يعتمد عليها، و لا ينبغي أن يوكل إليها التحقيق” (فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم رحمنا الله وإياه 12467)
9=القضاء السعودي يقبل شهادات رجال الأمن والمباحث والسجانين، ضد المتهم، ويعتبرهم عدولا،لايجوز القدح فيهم:
وهو بذلك ينتهك حقوق المتهم التي نصت عليها القواعد الدولية للعدالة، فضلا عن المعايير الإسلامية، فضلا عن فتاوى العلماء الثقات كرئيس القضاء والمفتي العام للديار السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ،(انظر قبول القاضي إبراهيم الحسني شهادات رجال الأمن، في محاكمة عبدالله وعيسى الحامد، في قضية اعتصام نساء المعتقلين السياسيين في القصيم).
وهذا يسهل على الحكومة فبركة تهم جنائية على الحقوقيين والسياسيين، ويفتح الباب لرجال الشرطة والمباحث، ليتشاهدوا على السجين، لكي يكون السجين بين أيديهم كالعجين، يفعلون به ما يشاءون، ويغطوا إهمالهم وأخطاءهم،وقد فتح غياب الإشراف القضائي، وقبول شهادات الحرس والشرط، الباب للتهديد بالاعتداءات الجنسية، ولممارستها فعلا، وللابتزاز، ولأنواع من انتهاك الكرامة والجنون.
10=انفراد الملك بتعيين القضاة ورؤساء المحاكم ومن سواه إنما يقترحون فحسب.
أوضح نموذج على عدم استقلال القضاء أن الملك ينفرد بتعيين القضاة، وسلطة المجلس الأعلى محصورة في التوصية والاقتراح، وتبنى التعيينات على التقارير السرية أكثر من توصيات التقارير العلنية.
11=حصانة القضاء في مهب الريح بضعف ضوابط حماية القضاء من الإخلال، والقضاة من التعسف معا
إن الذي يحضر في أي جلسة، يكون فيها السجين بين يدي القضاء، يدرك كيف يخاف القضاة من رجال المباحث، ولا سيما في ظلال المحاكمات السرية، من يصدق أن القضاة لخوفهم من رجال المباحث ومن سطوة وزير الداخلية، لا يكادون يستطيعون الاعتذار عن الاشتراك في محاكمة المتهمين بالإرهاب، فضلا عن غيرهم، وذلك بسبب أن حصانتهم في مهب الريح، وإذا كان أحد الأمراء طرفا في قضية فمن هو القاضي الذي يستطيع إنصاف الضعاف، وحصانته في مهب الرياح.
فياوزير الداخلية! اتق الله وأطلق القضاة والقضاء، الذي صار كل قاض فيه مثل قاضي قم، فمتى ترجى العدالة من قاض لم يتحرر من أسرك!.
12=القضاء السعودي يصدر أحكاما، ولا يستطيع الإلزام بتنفيذيها:
ومن الفضائح التي ظهرت في وسائل الإعلام؛ أن مواطنا ظهر وهو يحرق صكوك أراض يملكها، صادرة من القضاء، لأن أمير المنطقة رفض تمكينه من التصرف بها،ولم يعلن القضاء ما ينفى هذه الشكوى، أو يلزم الأمير بتنفيذ حكم القضاء.
13=القضاة يتحدثون في الإعلام عن القضايا التي يبحثون:
ولا يلتزم القضاة بما يتطلبه القضاء من حياد، بل يتحدثون في قنوات الإعلام، ويظهرون مواقف لا توحي بحيادهم ،(كما في خطبة القاضي في محاكمة عبدالله وعيسى الحامد، في المسجد الذي يقع جنوب المحكمة بعد صلاة الظهر قبيل نظره قضية اعتصام نساء المعتقلين السياسيين في القصيم، إذ أوحى بأن دعاة الجهاد السلمي إرهابيين، وأدان العنف الأهلي، ولم يقل عن العنف الحكومي إلا كل مديح).
وقبيل بضعة أسابيع؛خرج أحد كبار رجال القضاء، على صفحات الصحف، وامتدح إحالة الملك المتهمين بغرق جدة إلى القضاء،دون أن يدرك أن إحالة الملك تلك الملفات؛علامة على عدم استقلال القضاء، وعلى أن الملك يحيل إليه من يشاء.
ومن ذلك أن المحامين المحسوبين على الداخلية، يتبجحون في الصحف بأنهم لن يتوكلوا عن أي متهم بالإرهاب، لأن ذلك يقدح في وطنيتهم وولائهم لولي الأمر
14= قسوة الأحكام السياسية وجورها:
من يقارن بين أحكام القضاء السعودي وغيره من الأقضية، لن يفوته أنه يتسم بالقسوة.
إذا قورنت أحكام القضاء السعودي بأحكام الأقضية في الدول الدستورية، تبين أن الأحكام عندنا تزيد عشرة أضعاف، إن لم يكن عشرين ضعفا عنها، فإذا كان القضاة الملثمون يحكمون بشرع الله، فلماذا يؤثرون الظلمة على النهار؟، وإذا كانوا يؤمنون بأن الشعب هو الحفيظ على الملة والدولة، فلماذا يخشون عيونه، من إعلاميين وحقوقيين ومحامين، ومهتمين بالشأن العام؟.
15= القضاء يصدر عقوبات على الشبهة:
لا يمكن أن يبرئ القضاء متهما في أي قضية سياسية، بل يحكم بالشبهة،(انظر دفاع القاضي في محاكمة عبدالله وعيسى الحامد، في قضية اعتصام نساء المعتقلين السياسيين في القصيم، حيث قرر أنه لم يثبت عليها ما نسب إليهما، لكنه أدانهما بالشبهة).
16=ضعف ثقافة القضاة الحقوقية والسياسية:
ولا سيما في مجال حقوق المتهم وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ولذلك فهو لا يعتد بما صادقت عليه الدولة من معاهدات دولية. ومن الأدلة على ذلك، ما ذكره فريق الدفاع عن الشيخ سليمان الرشودي، أحد دعاة الدستور وحقوق الإنسان، من اعتراض القاضي في ديوان المظالم، على وصف الشيخ بأنه أحد رموز الجهاد الدستوري، فقد طلب حذف كلمة دستور من الدفوع، واتهم الفريق بالتأثر بالغرب ومصر.
17=القضاء السعودي يجرم ما وقعت الدولة على أنه من حقوق الإنسان:
فهو يجرم المظاهرات والاعتصامات السلمية، ويجرم حرية التعبير والرأي والتجمع وإنشاء الجمعيات، ويعتبر كتابة البيانات؛ من الفتن والصد عن ذكر الله التي تخل بطاعة ولي الأمر.
18=البطء في بت القضايا:
حتى نفر الناس من التحاكم إليه، وصار يجبرهم على الصلح وترك حقوقهم.وقد يدفعهم تراكم الإحباط إلى أخذ ما يعتبرونه حقا لهم باليد.
19=تقبل تعليمات الحكومة التي تخل بالحقوق في سلم العقوبات:
يدرج القضاء في قواعده، كثيرا من التعليمات التي تصدر من مجلس الوزراء، ويعتمدها، ولو كانت مخلة بالحقوق، وكأن مجلس الوزراء مجلس نواب منتخب.
20=خضوع القضاة لتعليمات وزير العدل وإشرافه
21=قضاء مستكين لا يستطيع مقاضاة كبار الموظفين فضلا عن الأمراء:
وهو لا يستطيع محاكمة المتهمين بالتعذيب،بحجة أعمال السيادة. وهو لا يستطيع أن يبحث في المخالفات الكبرى، ضد المسئولين الكبار؛ إلا إذا أذنت له الحكومة، وهو إذا حاسب الفقراء والناس العاديين؛لا يستطيع محاسبة الأمراء والنافذين.
22= القضاء لا يستطيع أن يلزم الحكومة بحفظ أموال الشعب وممتلكاته بل شارك في انتهاك حقوق المواطنين بإصدار ألوف الصكوك التي ملكت الأمراء أمتارا بعشرات الملايين من أراضي الشعب
من العلامات على أن القضاء صار ركنا من أركان ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد؛ أن القضاء يمنح الأمراء أراضي بعشرات الملايين، ويصدر بها صكوكا، وفي كثير من الأحيان تسرق أراضي المهمشين وتعطى الأمراء عبر خطوتين:
الخطوة الأولى:تقوم البلدية أو الزراعة بإزالة كل معالم إحياء المواطن المهمش على الأرض، محتجة بأنها أرض حكومية، وأن المواطن معتد عليها، وأقل ما ينبغي تجاهه إزالة إحداثه.
الخطوة الثانية: تمنح الأرض الأمير أو أحد الكبراء، أو تتقاسمها (مافيا حفظ أملاك الدولة،) وليس للقاضي إلا أن يصدر صكا لهذا أو لهؤلاء.
حتى وصل الأمر إلى صدور أكثر من صك، لأكثر من أمير على أرض واحدة،كما في حي الأطلال في جدة.
وقد استولى الأمراء بهذا الأسلوب على المناطق المهمة، كأراضي المطارات وسكك القطارات والجامعات والواجهات البحرية والمدن العسكرية والسياحية,
23= لا يستطيع القضاء حماية المتهم الموقوف الذي يدعي أنه أقر مكرها، ولا سلطة التأكد من صحة الاعتراف وسلامته، من الإكراه الذي يسلب الإرادة أو الاختيار أو هما معا.
والقضاء في مثل هذه الحالات، يمارس دور هيئة إدارية، تصادق على أوراق اعترافات، لا دور سلطة تتعامل مع أشخاص.
24=القضاء لا يعطي المتهم أو وكيله مجالا كافيا، لتفنيد المزاعم التي يقدمها المدعي العام:
وإنما تعرض القضية على القاضي، ويطلب شهود المدعي العام، فإن وجدوا حكم على المتهم، وإن لم يوجدوا ولم يعترف المتهم حكم القاضي بالتعزير للشبهة، وهذا بسبب عدم وجود قواعد الإثبات، الموجودة في الدول الدستورية، ويذكر عديد من المحامين أنهم لا يذكرون أن القضاء خلال تاريخه أعلن براءة المتهم في قضية سياسية، وحكم على الدولة بالتعويض.
25= ظاهرة المحاكمات الصورية:محاكمة الداعية خالد الراشد نموذجا
وقد دلت الشواهد، على أن آلاف المحاكمات، التي أجراها القضاء السري؛ إنما هي محاكمات صورية، لا تكاد تتجاوز أكثر جلساتها دقائق معدودة، وحالة الداعية خالد الراشد، واحدة من تلك الحالات، التي لا يعلم عددها إلا الله.
26=المحاكمات الغيابية:
وقد دلت الشواهد، على أن بعض المتهمين؛ صدرت عليهم احكام غيابية، ولم يروا القاضي أصلا، رغم انهم كانوا رهن الاعتقال، وليسوا فارين خارج البلاد، وأمثال تلك الأمور ليست رجما بالغيب أو تجنيا، وإنما هي أمور موثقة في تقارير، سلمت قبل عشر سنوات الى وزير الداخلية، ولم يحرك ساكنا.
27=القضاة يصادقون اعترافات الإذلال المخلة بحقوق الإنسان:
العرف السائد في المباحث؛ أن لا يخرج أي سجين من سجناء الرأي والتعبير، إلا بعد أن يكتب تعهداً مذلاً مهيناً، يتنازل فيه عن كرامته وحقوقه السياسية،ويعترف بأنه أخطأ في حق نفسه، وحق ولي أمره، ويتعهد بعدم تكرار ما وقع فيه، ويصدق القاضي هذا الإقرار، وكأنه لا يدري أمرين:
الأول:أن السجين مكره، فكيف يصادق القاضي على إقرار المكره.
الثاني: أن القاضي بذلك يحرم على الناس حقوقهم السياسية، ويلزمهم بطاعة الظلمة.
28= الحكومة تمنع القضاة من تكوين جمعيات لهم
29= الحكومة تمنع المجتمع من تكوين تجمعات المجتمع الأهلي المدني، التي لها دور في حماية القضاء
30=القضاة يحصلون على منح كبرى:
أصبح من المألوف أن يخصص بعض القضاة بمنح قطع أراض زراعية أو سكنية كبرى، أو أعطيات نقدية، أو سيارات، ولا ريب أن تخصيصه بها دون أقرانه، يثير الريبة،ولا يوحي بأنه خص بها لوجه الله.
بل ويستثنون من بعض القوانين، مثل قانون المرور، فقد صدر تعميم بإعفاء القضاة والأمراء وكبار المسئولين، من جزاءات تجاوز السرعة، في الطرق السريعة.
31=القضاء يفاجئ المتهم بالمحاكمة:
نص النظام على أنه يجب أن يبلغ المتهم عامة والموقوف خاصة بموعد المحاكمة بوقت كاف كتابياً، وأن يكون التبليغ نهاراً، وأن لا يكون في أوقات العطل الرسمية، وأن يكون التبليغ من نسختين متطابقتين، إحداهما للمتهم ويوقع المبلغ عليها، والثانية للمبلغ ويوقع المتهم عليها. (نظام الإجراءات الجزائية: المادة: 138) و (نظام المرافعات الشرعية: 113 و 114).
ولكن القاعدة في دور التوقيف، هي أن يفاجأ المتهمُ بخفير السجن، وهو يضع القيود في يديه ورجليه، ويفاجئه بأنه سيذهب إلى المحكمة، وهذا لون من ألوان الإزعاج، الذي يوحي بالإرهاب.
كما أن القاضي يضع الموعد من دون أن يلاحظ ظروف المحامي أيضا-لو سمح بحضور محام- فالمحامي مرتبط بجدول مواعيد، ومآمير السجون يبلغون المتهم شفوياً، ويرفضون إعطاءه صورة الخطاب فضلاً عن أصله، فضلاً عن أن يوقعوا على صورة أو أصل، وهذه الإجراءات انتهاكات لحقوق الموقوف.
32=القاضي لا يعطي المتهم نسخة من الدعوى:
يجب أن يعطى المتهم نسخة من الدعوى المرفوعة ضده، بعد أن يتلوها المدعى العام شفوياً (نظام الإجراءات الجزائية: المادة: 161) وهذا النص المكتوب لا يعمل به؛ إلا في حالات تعد على الأصابع من آلاف الحالات.
وكل الذين دخلوا سجون المباحث يشهدون على ذلك، إن هذا الإجراء إفراز من (بنية) السرية القضائية. فالعادة جرت بأن يقوم محقق المباحث بالتحقيق مع الموقوف، ثم يوقع الموقوف على التهم. وأحياناً يصورون المتهم تليفزيونياً، وهو يقرأ هذا الاعتراف.
إن هذا نوع من أنواع الضغط على الإرادة، يوحي بإمكان نشر هذا التحقيق المتلفز، لو نكل المتهم عن إقراره، ثم يذهب المتهم إلى القاضي مقيداً، ليصدق إلاقرار، ثم يستدعى في جلسة محدودة الدقائق، ويحكم عليه بصك يحمل اسم (المحكمة الشرعية)! فهل هذا من تطبيق شرع الله؟.
33=المتهم يمثل مقيدا بالأغلال أمام القضاء:
نص النظام على أن المتهم يمثل أمام المحكمة من دون قيود ولا أغلال، (نظام الإجراءات الجزائية: المادة: 158) وهناك مئات الحالات إن لم تكن الآلاف يحضر فيها المتهم، وهو بالقيود والأغلال، ويسوقه رجال المباحث ليدخل من الأبواب الخلفية للمحكمة, فلا يراه أحد، ولا يرى أحدا إلا شرطة المباحث, وقاضيا أو ثلاثة من المدلسين على التعذيب، الواقعين تحت هيمنة وزارة الداخلية، وقد أوصدت الأبواب، ويوقع أمامهم اعترافا عليه ختم (المحكمة الشرعية)،لكنه غير شرعي في الحقيقة ، لأنه يخالف المبادئ الشرعية للمحاكمة العادلة.
ويظل الموقوف أحيانا كثيرة من دون محاكمة، ولا يخرج إلا بتعهدات ظالمة، بعد أن يتلقن درسا بأن القضاء جزء من أدوات انتهاك حقوق وكرامة الإنسان. فالمتهم يأتي إلى المحكمة, حتى لو كان طليقا وهو في هيئة يونس عليه السلام ، عندما خرج من بطن الحوت لا حول له ولا قوة . والمؤسسة القضائية وديوان المظالم يعرفون أن تلك القاعدة لم تتغير منذ سبعين عاماً.
السؤال الفاغر فاه: هل سلطة وزير الداخلية من دون تحديد؟ هل وزارة الداخلية تكتب الأنظمة بيديها لتدوسها برجليها؟ وما هو مبدأ المشروعية الذي يرفض به وزير الداخلية حكم هيئة قضائية؟ هل كونه مِنْ مَنْ أصدر النظام يجيز له أن يخرقه؟
34=صعوبة كشف خبايا الفساد في القضاء السعودي، لأنه يحتمي بالسرية، ويلوذ عن الشفافية
35=ليس فيه محاكم متخصصة و لاسيما في قضايا السياسة والرأي والنشر، لتلافي ضبابية التهم وتعدد جهات المحاسبة.
36= للأجهزة الأمنية سلطة على القضاء، وليس له عليها سلطان، لاحتمائها بمبدأ (اعمال السيادة).
37=يجعل القضاء الأنظمة المرعية شريكة للشريعة في المرجعية
38= للملك سلطة مطلقة في سن الأنظمة أكثر إخلالا بمبدأ استقلال القضاء وتحكيم الشريعة معا
39= ليس للقضاة سلطة رقابية، على تصرفات السلطة التنفيذية
40=وجود عشرات اللجان القضائية خارج سلطة القضاء:
41= ارتفاع نسبة العناصر النجدية والحنبلية ونحوها بمناصب القضاء:
42=يصوغ القضاء خطابا دينيا لاستبداد الدولة واستئثارها وقمع حقوق المواطنين:
والطامة الكبرى في القضاء السعودي أنه يؤسس لقمع الدولة حقوق المواطنين خطابا دينيا، وفوق ذلك فإن كل من قارب إصلاح القضاء رماه الحرس القديم في وزارة الداخليه وفقهاؤها ومحاموها؛ بسهام المروق من الدين، ورفض الشريعة، وترك الحكم بما أنزل الله، والكفر بالله.
ثالثا=المستجير من الرمضاء بالنار:
وبذلك يصبح المستجير بالقضاء من ظلم الأمراء والحكومة، على حد قول الشاعر:
والمستجير بعمرو عند كربته= كالمستجير من الرمضاء بالنار
لأن هذه العيوب المنهجية تبرهن على عدة أمور:
1=أنه مطية طيعة للأمراء على العموم ووزير الداخلية على الخصوص.
2=أنه غير مؤتمن على حقوق الإنسان، بل هو أداة من أدوات انتهاك حقوق الإنسان وافتراس دعاتها.
وإصدار أحكام بالسجن بضع سنين على دعاة الدستور والمجتمع المدني وحقوق الإنسان الثلاثة؛ ليس إلا برهانا ظاهرا من ألوف البراهين التي كتمتها سرية المحاكمات.
3= وهذا يبرهن على أن القضاء أحد أركان ثلاثية الاستبداد؛ (الظلم والقمع والفساد).
4=أن أحكامه لا يمكن أن تسهم في علاج العنف الأهلي،لأنه جزء من منظومة إنتاج العنف الحكومي.
5=يكشف القضاء السعودي عن خطورة (ثنائية الأمراء والفقهاء)
رابعا:القضاء السري لماذا الإصرار والتعويل عليه؟
أهو مجرد أسلوب قضاء قمع عادي أم لكتمان ما هو أفظع وأشنع ؟
على الرغم من أن وزارة الداخلية؛ لا تحسب للشعب أي حساب، ولا للفقهاء ولا للمثقفين ولا لأساتذة الجامعات، وإنما تحسب للإعلام ولاسيما الخارجي، لاسيما عندما لا تستطيع السيطرة عليه، عبر مافيا القنوات والصحف، المتخصصة في فن الماكياج، تحسين القبيح، وتقبيح الجميل. لكنها تقامر بسمعتها الدولية، عندما تعتمد القضاء السري، بصورة منهجية، ونحن نتحدى وزارة الداخلية أن تأذن للقضاء بعلانية المحاكمات،لأن العلانية ستسقط الأقنعة، عن أسباب العنف الحقيقية، لأن القضاء السري: (الليل أخفي للويل)، ولكن المهم إدراك أنها لا تستطيع أن تسمح بالمحاكمات العلنية؛ لكي لا تنتشر الفضائح والفظائع، ولتجنب رقابة الشعب ومحاسبته قضاته وأمراءه.
من الواضح أن القضاء السري ليس مجرد أسلوب قضاء قمعي عادي، بل لكتمان الفظائع الست التالية:
1=ضخامة أعداد المعتقلين السياسيين فوق التصور:
صرح وزير الداخلية عندما أنشئت المحكمة الأمنية؛ بأن الذين سيقدمون إليها أقل من ألف. ولكن (جمعية الحقوق المدنية والسياسية) ترى أن المؤشرات تدل على أن أعداد السجناء السياسيين الآن؛ يتجاوزون الخمسين ألفا، ومن الأدلة على ذلك:
-لا يكاد المرء يلتقي بأحد من الأسر، إلا ويسمع عن سجين.
-كثرة القوائم التي تصدرها الوزارة للمطلوبين مثل:قائمة الثمانين.
– إلى قائمة الأربعة والأربعين.
-إلى قائمة الـ25 الذين عادوا من قونتاناموا،وتخرجوا من برنامج المناصحة،عادوا إلى العنف. (كما صرح مدير دائرة الأمن الفكري:جريدة الحياة الأحد 8-رجب-1431هـ/20ـ6-2010م)
-إلى قائمة المعتقلين من الأربع مئة المعلمين(كما صرح مدير دائرة الأمن الفكري:جريدة الحياة الأحد 8-رجب-1431هـ/20ـ6-2010م) .
-إلى قائمة المعتقلين الألفين من المتعاطفين(كما صرح مدير دائرة الأمن الفكري:جريدة الحياة الأحد 8-رجب-1431هـ/20ـ6-2010م) وكثرة أحداث كشف المخابئ والأسلحة.
-كل السجون مزدحمة. حتى اضطرت إلى سجن السياسيين والحقوقيين (كالعريني والعمير والعتيبي وعبد الله وعيسى الحامد)في السجون العادية
فكم عدد المعتقلين: فهي تزعم أن عدد المحابيس لا يتجاوز 1000(ألفا).
بيد أن كثرة السجون تدل على أعداد أكثر، فبعضهم يوصلها إلى 50000(خمسين ألفا)، وبعضهم يقدرها بأنها تتجاوز 100000(مئة ألف)، حتى إن السجون السياسية ضاقت بالمعتقلين، فلجأت الداخلية، إلى سجون المخدرات والجنايات، وقد سجنت بعض دعاة حقوق الإنسان فعلا في هذه السجون.فإذا كان الحاكم على حد عبارة وزير الداخلية (أجير) فلماذا يخفي هذا الأجير أعداد المعتقلين عن الأمة، التي يفترض أنها استأجرته؟.
-لا أدل على ذلك من أن الداخلية؛ جعلت العلامة البارزة، على عهد الملك عبد الله، هي كثرة إنشاء السجون، رغم حرص الملك على أن يكون عهده عهد بناء البرلمان والحوار والانتخاب، ولكن كما قيل:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه=إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فمن شكك في هذا البيان، فالميدان يا حميدان
2= فظائع التعذيب المنهجي:
التقارير والمشاهدات الحقوقية، تشير إلى تعذيب منهجي، فإذا كانت وزارة الداخلية متأكدة من أن التعذيب ليس فظيعا، أو أنه ليس منهجيا، فلما ذا لا تقول تعالوا أيها المغرضون المشوشون، أو على الأقل تعالي أيتها الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، التي اختار أعضاءك وزير الداخلية، وشاهدي السجون.
عبر التعذيب نجحت وزارة الداخلية قبل حروب الخليج، في كتم آلاف الأصوات المطالبة بقوامة الشعب على الحكومة، المطالبة بالكرامة الفردية قبل الكرامة الوطنية،المطالبة بالحقوق السياسية قبل المدنية، ونجحت في ضرب تلك الأصوات بتهم الشيوعية والقومية، والتطرف والزندقة، وشاركها الفقهاء الخانعون، بإصدار الفتاوي والكتب، التي تكفر وتخون.
واستمر التعذيب على ضراوته بعد حروب الخليج، ولكنها جوبهت بمشكلتين:
الأولى: أن أكثر ضحايا التعذيب هذه المرة؛ هم الفقهاء وطلاب العلوم الدينية، التي ظلت الدولة منذ إنشائها تزعم أنها دولتهم، وأنها تحكم بالكتاب والسنة، وأنها تطبق الشريعة، وكشف أهوال التعذيب؛سيزيل شيئا من ماكياج الوجه البشع، الذي ظل أمراء القمع يتجملون به.
الثانية: كثرة ضحايا التعذيب، كثرة قد تضغط على وزارة الداخلية، حتى ينكشف ستار التعذيب القديم والجديد، وقد يصحو الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي؛ على أكبر مجزرة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
3=القضاء السري يضمن استمرار التعتيم على فبركة وتلفيق قضايا حيازة السلاح ودعم الإرهاب
هناك كلام شائع في بعض البلاد، ولاسيما في القصيم، بكثرة فبركة تهم حيازة السلاح، ومن تنكيت الناس على ذلك أن بعض الناس إذا رأوا سيارة(ديانا) عليها شراع أزرق، قالوا: جاءت سيارة تلفيق حيازة السلاح، ويقولون إنها تدفنه مساءا، وتعلن عن اكتشافه صباحا.
وهذا يدل على أن الناس تعتقد أن المباحث تفبرك قضايا العثور على السلاح، إما من أجل الزعم بأنها يقظة، وإما من أجل استمرار الدعم المالي، وإما من أجل ضرب المعارضة السلمية، وإما من أجل التناغم مع هواجس التيار الغربي المحافظ، ولا دخان من غير نار، فالنكت وحتى المبالغات الشعبية، لا تكون من دون أصل،كما ذكر علماء التاريخ كابن خلدون.
ويعتقد عدد من المتابعين؛ أن من تلك التلفيقات؛ الهجوم على المعتصمات في بيت أم معاذ ريما الجريش(زوجة محمد الهاملي )، بحجة وجود سلاح مخبوء أو مدفون،-عرفوا بدفنه عبر طائرات الاستطلاع- التي تاهت عنه ثلاث سنين، واكتشفته ليلة احتشاد النساء لكتابة بيان الاعتصام.
ويقول هؤلاء المتابعون: إنما كان ذلك التلفيق من أجل كبت العمل السلمي، ويدل على ذلك تصريح بعض المعتصمات؛ بأنهن شاهدن رجال المباحث يدفنون الأسلحة سرا، ويستخرجونها جهرا، كما يدل على ذلك أن المباحث منعت عبدالله وعيسى الحامد، (وكيلي الهاملي) من حضور التفتيش، ولفقت لهما تهمة اختراق طوق أمني، والمنطق يقتضي أن يسمح لهما بالحضور، كوكيلين عن المتهم، يوقعان على محضر ضبط السلاح، ليخرس كل مشكك.
4=التستر على القضاة الذين يصدرون أحكاما شديدة الجور والقساوة:
القضاء السعودي قاس ولا يؤمن بالحقوق السياسية، فإذا كان قد حكم على (علي الدميني) بتسع سنين، وعلى (عبد الله الحامد) بسبع سنين، وعلى (متروك الفالح) بست سنيين، لأنهم تجرأوا وطالبوا بحقوق الإنسان، وطالبوا باستقلال القضاء. كما حكم على (عبد الله الحضيف) رحمه الله بالإعدام، لأنه رشق ساعد محقق-اشتهر بالتعذيب-بعلبة ماء بطارية حارق، فما ذا سيحكم على متهمين بالعنف، أو على قائمين به فعلا؟.
الداخلية لا تريد أن يعرف الشعب أسماء القضاة القساة، والليل أخفى للويل!
5=ترسيخ ثقافة الخوف:
إن أي حكم مستبد لا يستطيع السيطرة والظلم، إلا في أجواء تكميم الأفواه، والتخويف من الدهاليز السرية، ولكن الشيء الذي لم يدر بحسبان أهل القمع في وزارة الداخلية؛ أن المحاكم السرية في الدول الدكتاتورية؛ أدت إلى عكس مقاصدها، لأنها أوجدت أجيالا أكثر صلابة، وأكثر عددا، وهذا ما وقع في المملكة.
وزارة الداخلية تريد مواطنين مستسلمين، على غرار ضحايا الأسهم، من المسموح لهم أن ينتحروا، أو أن يصاب كثير منهم بالأمراض النفسية، والكآبة والإحباط، ولكن ليس من المسموح لهم؛ أن يعتصموا أو أن يتظاهروا.
وهي تفهم قول ول ديورانت: “الحضارات لا تظهر في ظلال الخوف”، وهي لا تريد حضارة، فليس ثمة إلا مشروع البداوة، القائم على النهب والقمع.
لكنها لا تلاحظ أنها كلما ازدادت بطشا، ازداد العنف انتشارا وقوة.إنها لا تفهم قولة فولتير”ما رأيت شيئا يسوق الناس إلى الحرية بعنف مثل الطغيان”.
6=لكي لا يعرف الناس أن العنف سياسي وأن سببه هو الفساد السياسي: الإخلال بعقد البيعة على الكتاب والسنة:
ماهي أسباب الاحتجاجات السياسية، التي تجعل أكثر من مئة ألف شاب ينخرطون في العنف ممارسة أم دعما، فإذا كان الحاكم على حد عبارة وزير الداخلية (أجيرا) فلماذا يخفي هذا الأجير أعداد المعتقلين عن الأمة، الذي يفترض أنها استأجرته؟.
الحقوقيون ودعاة الإصلاح السياسي يقولون: إن سبب العنف ليس فتوى فقيه متحجر، في شباب متهور، بل إخلال الدولة مجسدة بوزارة الداخلية بمشروعية الدولة: بالنهب والتفرد بالقرار وسوء الإدارة السياسية أولا، وبقمع الفئات التي طالبت بحقوقها المدنية والسياسية من أصحاب المطالب السلمية ثانيا؟.
وزارة الداخلية تريد إخفاء أسباب العنف عن الرأي المحلي والإقليمي والعالمي.
إن المحاكمات السرية -فوق كونها تخل بمبدأ الرقابة الشعبية- فهي تجهيل للناس بأسباب العنف، وهي الاحتقان السياسي، من أجل الاكتفاء بالحل البوليسي واستبعاد العلاج السياسي.
لكي لا يعرف الناس أن أسباب العنف، هي انتهاك الحكومة مبدأ قوامة الشعب على حكامه، ووصايتها المستمرة عليه، ولكي لا يعرف الرأي المحلي والإقليمي والدولي؛ أن سياسة وزير الداخلية على الخصوص هي أهم أسباب العنف، وبما أن أكثر مفجري أحداث 11 سبتمبر ونحوهم سعوديون، ولكي لا يتضح دور الحكومة في صناعة العنف وتغذيته، إن هذا أخطر ما في الأمر، أن يعرف الناس أن (ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد)؛ لها الدور الأكبر في صناعة العنف وتغذيته.
خامسا: نناشد القضاة أن لا ينجروا إلى فخ سرية المحاكمات الذي نصبته لهم وزارة الداخلية لكي يكونوا لها شريكا وقفازا عدليا، وغطاء دينيا:
ولأن هذه الأمور الأربعين مخلة باستقلال القضاء، استأنس الأمراءُ ووزارةُ الداخلية القضاءَ منذ زمن بعيد، منذ صار القضاة يجيزون أوامر (ولي الأمر) بإقطاع إخوانه وأقاربه مئات الملايين من الأمتار في كبار المدن، وأقرب مثل لذلك في مدينة جدة أصدر القضاء صكوكا للأمراء بملايين الأمتار، أحدها بأكثر من ثمانين مليون متر مربع، بناء على أوامر من الملك فهد.
ومنذ ذلك الزمن انخرط القضاء السعودي في مشروع وأد حقوق الإنسان السياسية، فشوه صورة القضاء الإسلامي وشوه الشريعة. وقدم مزيدا من الفرص لانتشار الامتعاض من القضاء الشرعي.
من أجل ذلك ننادي القضاة ونقول لهم- وفقنا الله وإياكم – اتقوا الله في أنفسكم؟، كيف ترضون بالمحاكمات السرية، وقد عرفتم ما بنيت عليه، وما تفضي إليه؟.
ونطالبهم بالالتزام بالضوابط الشرعية، التي قررها الفقهاء الوعاة الأحرار؛ لأحوال الخروج المسلح على الحكومة.
ونتساءل:ما الذي تخشونه من العلانية؟. لماذا تخشون العلانية في محاكمات المتهمين بالعنف؟.
وأخيرا ألا تدركون أن السرية هي بوابة الإخلال بحقوق المتهم من جانب، وهي بوابة التستر على مظاهر فساد القضاء الأربعين؟.
ألا تدركون أن تخويل القاضي باستثناء الجلسة من العلنية وتقرير سرية الجلسة غير شرعي، لأن نظام القضاء لم يقرره نواب الأمة التي جعلها الله حفيظة على الملة والدولة، أليس كل ما بني على باطل، فهو باطل؟.
ما الذي يمنع القاضي من رفض الاشتراك في هذه المحاكمات، مادام يرى أن شروط المحاكمة العادلة غير متوافرة، كما رفض بعض قضاة القصيم؟.
أليس بإمكانكم أن تقفوا ضد انتهاك معايير القضاء النزيه، كما وقف قضاة باكستان، ومن قبلهم قضاة فرنسا، ويوغسلافيا؟.وكما وقف الأئمة مالك والعز بن عبد السلام والسرخسي وابن عتيق وابن حميد و القاضي محمد بن تركي الخ.
ثم ألا يخشى القضاة أن يفتح يوما ما -يرونه يعيدا ونراه قريبا-ملف القضاء، ويقاد الذين أخلوا بمعاييره إلى محاكمات علانية؟.
وهل يغنيهم أن يقولوا: وضع وزير الداخلية لنا لائحة وأمرنا أن نصدر أحكاما بناءا عليها، فأصدرناها؟.
أليس في مطالبات الحقوقيين والسياسيين لكم بذالك ما يشجعكم ؟.
هناك فرق -عند معالجة العنف الأهلي-بين خطة من يتوهم أن المشكلة هي العنف، وخطة من يدرك أن العنف الأهلي واحد من عشرات الأولاد لـ(ثلاثية الاستبداد القمع والعنف والفساد)، فيعرف أن المشكلات ستتراكم: العنف وغرق جدة وانهيار سوق الأسهم وسيول الرياض، وإذن فإن الذي ساق كتاب العدل وموظفي البلديات إلى غرف التحقيق-نيابة عن آمريهم- سيسوق فرسان أقضية التعذيب والسرية والقسوة إليها نيابة عن آمريهم، أيضا أو مع آمريهم.
سادسا: صحة تشخيص الداء أول خطوة في العلاج ،لكي لا تعالج المضاعفات ويترك أصل الوباء.
أ=سبل تشخيص الداء:
من أجل ذلك تؤكد جمعية الحقوق المدنية والسياسية أن بداية الحل هي الاعتراف بالمشكلة، وسبيل ذلك ما يلي:
1=تطوير هيئة حقوق الإنسان إلى وزارة.
2=تقوم وزارة حقوق الإنسان؛ بإعلان قائمة بأسماء المتهمين، الذين في السجون، للحد من الانتهاكات، ولكي تطلع الأمة على هولها.
3=تقوم وزارة حقوق الإنسان بالإشراف، على صرف معاش كاف من بيت مال الأمة، لأسرة كل سجين.
4- السماح لجمعيات حقوق الإنسان، بالاطلاع على أحوال السجون،لكي لا تتكاثر انتهاكات حقوق الإنسان.
5= تشكيل لجنة قضائية لفتح ملف حقوق الإنسان والمتهم والسجين، تحقق في الدعاوى والشكاوى، التي أشارت إليها بيانات وتقارير، لتعويض الضحايا وإحالة المتهمين بالانتهاكات إلى القضاء، في إجراءات تتسم بالشفافية والعلانية.
6=إصدار قرار فوري، يسمح لديوان القضاء ولوزارة العدل، بالقيام بتفتيش السجون، واعتبار الجهتين مسئولتين عن كل تقصير.
7= إلغاء المباحث السياسية، التي أصبحت من أدوات قمع الشعب وإرهابه، ليتنفس الناس الصعداء -ولا سيما القضاة -حيث أصبحت تكرر نموذج(السافاك) في عهد شاه إيران البائد، واستبدالها بجهاز أمني للتحري،يشرف عليه القضاء-بدلا من المباحث التي تخيف القضاة، وهذا الأسلوب معروف في الدول الدستورية، على غرار المباحث الفدرالية الأمريكية.
8=تشكيل لجنة لفحص ملف التعذيب، وإحالة المتهمين بالتعذيب والتدليس عليه،من أمراء ومحققين وضباط وقضاة إلى القضاء
بهذه الإجراءت الثمانية، تبدأ رحلة تصحيح المسار:
ب=الإصلاح القضائي: قبل محاكمات المتهمين بالعنف:
1- إذا أردنا القضاء على العنف الأهلي؛ فينبغي التخلص من ثقافة العنف الحكومي أولا، بالتخلص من عقلية ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد، فلا يمكن علاج الداء بالداء.
بنبغي أولا إصدار قرار فوري بإيقاف تدخلات وزارة الداخلية في المحاكمات، وإلغاء جميع هذه المحاكمات السرية، التي بنيت على فوضى في القواعد القضائية، وانتهاكات جسيمة لحقوق السجناء. وإبطال كل المحاكمات السابقة، التي أخلت بقواعد العدالة الدولية التي وقعت عليها الحكومة، وأخلت بقواعد العدالة الإسلامية، التي تعلن الحكومة أنها تطبقها.
2- إذا أردنا القضاء على العنف الأهلي؛ فينبغي التخلص من ثقافة العنف الحكومي أولا، بالتخلص من عقلية ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد، فلا يمكن علاج الداء بالداء. فينبغي نبذ القواعد التي وضعتها وزارة الداخلية، للتعامل مع المتهمين بالإرهاب والمخدرات، وتكليف لجنة من الفقهاء والقضاة النزهاء، العارفين بحقوق الإنسان، والقانون الدستوري، الذين لم ترن على ضمائرهم ظلمات الجهل والخوف والظلم والنهب والجاه.
لتطبق اللجنة قواعد فقه السياسة الشرعية، وأحكام القانون الحديث، في أحوال الخروج على الحكومة، ومفهوم الجريمة السياسية، ودرجاتها وعقوباتها، حسب نوع الحكومة، عادلة أم مستبدة فحسب أم مستبدة مفرطة ظالمة، وتدرك أنه ليس على الخروج بالكلام من ملام، لأنه داخل في إطار حرية الرأي والضمير في الإسلام. وتفرق بين أحكام الخروج على حاكم شوري منتخب كعلي بن أبي طالب، من أحكام الخروج علي متغلب عادل شوري كعمر بن عبد العزيز، وأحكام الخروج على متغلب ظالم، حافظ على كيان الدولة، كالمعتصم، من أحكام الخروج على متغلب ظالم ضيع دولة الإسلام كالمستعصم.
لأن العنف إنما نتج في ظلال الاستبداد والظلم والفساد، ولا يصح للحاكم أن يدعي أن الخارجين عليه بغاة، وهو قد أخل بمبدأ قوامة الشعب على الحكومة، الذي هو مقتضى البيعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فينبغي للحكومة أن تبدأ بعلاج عنفها، قبل علاج عنف الجماعات، إن أرادت النجاح، وإن لا فستستمر دورة الطاحونة وجدلية الطاحن والمطحون، وفي كل أسبوع تفاجئنا وزارة الداخلية بقائمة مئة من المطلوبين، أو عشرات من دكاترة الجامعات المتهمين، وشهود الله في أرضه يعرفون أن هذه المجموعات من المثقفين وأساتذة الجامعات محتجة على الأوضاع السياسية السائدة، ولكن لا برهان على أنها متهمة بالعنف سوى تصريح ناطق وزارة الداخلية الرسمي.
3= إذا أردنا القضاء على العنف الأهلي؛ فينبغي التخلص من ثقافة العنف الحكومي أولا، بالتخلص من عقلية ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد، فلا يمكن علاج الداء بالداء. ينبغي فك ارتباط هيئة التحقيق والادعاء العام، من وزارة الداخلية، وتسمية رئيسها المدعي العام، وربطها بسلطة القضاء.
4= إذا أردنا القضاء على العنف الأهلي؛ فينبغي التخلص من ثقافة العنف الحكومي أولا، بالتخلص من عقلية ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد، التي أنتجت العنف وكافة أنواع الاحتجاج، فلا يمكن علاج الداء بالداء. ينبغي إصدار قانون بتجريم التعذيب، والمعاملة القاسية، تمهيدا لتقديم المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان إلى محاكمات. وتشكيل لجنة “التحقيق والمساءلة وتقصي الحقائق”.وإحالة كافة المتورطين بالمحاكمات السرية إلى القضاء.
5= إذا أردنا القضاء على العنف الأهلي؛ فينبغي التخلص من ثقافة العنف الحكومي أولا، بالتخلص من عقلية ثلاثية الاستبداد: القمع والظلم والفساد، فلا يمكن علاج الداء بالداء، وبناء على هذه القواعد ينبغي إعادة التحقيق والمحاكمة وفق المعايير الدولية للمحاكمات العادلة التي وقعتها الدولة والمعايير الإسلامية، التي تعلن الدولة تطبيقها، خدمة للعدالة وانصافا للمظلومين.
6=وأخيرا لا عدل دون علانية المحاكمات، تلك العلانية التي لا تريدها وزارة الداخلية، لكي لا ينكشف الستار عن فظائع حدثت خلال أكثر من ثلاثين عاما، قد تحيق بأمراء القمع وفقهاء الظلام معا.
فإذا لم نفعل ذلك فإن كل الاجراءات مهدئات، وتكون الحكومة كمن يريد أن يداوي عينه فيعميها، أو هو الإصلاح على طريقة أبي نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء=وداوني بالتي كانت هي الداء
وهو إذن:
يقضى على المرء في ساعات محنته=حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
سابعا:مسك الختام حي على مواصلة الجهاد السلمي لأجل الحقوق والدستور:
من أجل ذلك نناشد جميع المهتمين بالإصلاح من جميع التيارات، ودعاة حقوق الإنسان والمحتسبين، والمحامين والحقوقيين، وندعوهم إلى الاتفاق على الأساسيات: الإصلاح السياسي، ومراعاة الأولويات، وترك الانجرار إلى الثانويات، وامتطاء مطية الجهاد الحقوقي المدني، من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والمتهم والسجين أيا كان، ومطالبة الجهات المعنية بالالتزام بالمعايير العدلية للمحاكمات والإيقاف والسجن،لأي إنسان.
ونطالبهم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وكشف منتهكيها، من محققين وجنود ومدراء وأمراء وفقهاء وقضاة، والعمل على تقديمهم لمحاكمات إعلامية في الرأي العام، تمهيدا لتقديمهم إلى محاكمات قضائية علنية، فهذا هو حبل النجاة من العنف والتطرف والفساد السياسي، الذي هو المولد الطبيعي لكل عنف وتطرف وتشدد وانحلال وفساد.
من أجل أن نكون خير أمة أخرجت للناس. فإن الله لا يقدس إلا أمة عادلة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
والله الهادي الى سواء السبيل
جمعية الحقوق المدنية والسياسية
بيض الله وجيهكم