جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية مقالات الخلل في سوق العمل السعودي والبطالة

الخلل في سوق العمل السعودي والبطالة

                   

بسم الله الرحمن الرحيم

 

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين

    كان الحديث فيما سبق عن موضوع البطالة محدداً لحجم ومعدل البطالة وتعريفها أيضاً، وأوضحت أن معدل البطالة يزيد عن ما أعلنته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بسبعة أضعاف ويرجع الاختلاف في تحديد معدل البطالة إلى أن  مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات اعتمدت في تحديد حجم ومعدل البطالة على تعريف ضيق حيث اعتمدت على الأسس والقواعد التالية – فلا يعتبر عاطل كل من -:

 

1-    بحث عن العمل بشكل مستمر أو شبه مستمر، لكنهم لم يبحثوا عن عمل خلال أسبوع الإسناد.

2-    الأفراد الذين بحثوا عن العمل لوقت طويل ثم توقفوا عن البحث بعد تعذر حصولهم على عمل، أو وصلوا لقناعة بعم وجود وظائف.

3-   الأفراد الذين بحثوا و وجدوا عملاً، إلا أن الراتب كان لا يتناسب معهم.

4-   الأفراد الذين قدموا أوراقهم لوزارة الخدمة المدنية أو لجامعات معينة وفضلوا الانتظار الذي قد يبلغ عدة سنوات، على قبول عمل  بأجر متدنٍ.

5-   الأفراد الذين يفضلون الانتظار في بيوت ذويهم إلى أن يجدوا الوظيفة المناسبة.  

وطبقا لهذا المعيار فإن:

     أ –  هؤلاء العاطلون لا يدخلون ضمن إحصاءات البطالة بعد إخراجهم من سوق العمل قبل احتساب معدل البطالة، وطبقا لهذا المعيار فإن 60% من حجم العمالة الوطنية خارج سوق العمل.

    ب – مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات تتعمد إخفاء حقيقة حجم و معدل البطالة في وطننا، فما هو السبب؟

   جـ -أي سياسة لعلاج مشكلة البطالة لن تنجح إذ أن أول خطوة في العلاج هو الاعتراف بالمشكلة – حجم البطالة، معدلها، أسبابها –  وبشفافية.

 

     و  في سوق العمل يكون هناك قوى الطلب ممثلة بمتطلبات العمل وخاصة في القطاع الخاص، وقوى العرض ممثلة بمخرجات نظام التعليم والتدريب ويغلب عليه القطاع العام.

     وتتبلور مشكلة سوق العمل السعودي في الخلل بين العرض والطلب وتجزئة السوق، وفقدان الحرية المتكاملة التي تجعل من آلية السوق تحقق التوازن بين قوى العرض وقوى الطلب وبالتالي فإن سوق العمل السعودي مقيدة ولا تعمل بآلية جيدة وتعمل بآلية مشوهة بسبب عدد من العراقيل والقيود والأنظمة التي تسمح بدخول العمالة الوافد بحرية، لم تكن معهودة في أي بلد من بلدان العالم كل هذا يسبب المنافسة غير المتكافئة بين العمالة الوطنية والعمالة الوافدة لصالح العمالة الوافدة ويرجع ذلك للأسباب التالية:

 

1-   انخفاض متوسط أجر العامل الأجنبي مقابل متوسط أجر العامل الوطني، ـ حيث تشير إحصائية وزارة العمل إلى أن متوسط أجر العامل السعودي في القطاع الخاص 3596 ريال ومتوسط أجر العامل الوافد 1059 ريال عام 1427هـ  ـ  وهذا يرجع إلى:

    أ  – القيود المفروضة على العامل الأجنبي في حرية انتقاله في سوق العمل ( نظام الكفالة ).

   ب – انخفاض الميل الحدي للاستهلاك لدى العامل الأجنبي، مقابل زيادة الميل الحدي للاستهلاك عند العامل الوطني.

  جـ – انخفاض مستوى المعيشة لدى العامل الأجنبي مقابل ارتفاع مستوى المعيشة عند العامل الوطني.        

 

2-   عدم تقيد القطاع الخاص بساعات وأوقات وأيام عمل محددة، فنجد أن أغلب المؤسسات والشركات تعمل بمعدل 12 ساعة في كل يوم و ستة أيام عمل في الأسبوع، وفي المحلات التجارية و بالأخص محلات المواد الغذائية – التجزئة – يعملون ما يقارب 16 ساعة خلال اليوم، وسبعة أيام عمل في الأسبوع.

3-   أنظمة وزارة العمل و الإدارة العامة للجوازات والرقابة لديها: تعطي الدافع للعامل الأجنبي في منافسة العامل الوطني عبر تستر بعض أرباب الأعمال على العامل الوافد في الأعمال التجارية والخدمية، وسهولة تغيير المهن، والشراكات الخفية بين العمالة الوافدة وأجهزة الرقابة عليها في القطاعات التي تمنح الرخص وتراقب المحلات والمنشآت التجارية والصناعية.

4-   نظام الكفالة المعمول به: حيث يعمل هذا النظام على فرض الخلل والتشوه في سوق العمل، بل يعطل آلية العرض والطلب، فرب العمل يفرض المرتب ويحدده مسبقاً للعامل، وهذا المرتب يكون أعلى من مستوى الأجر التوازني في البلد المصدر للعمالة، لكنه بالتأكيد أقل من مستوى الأجر التوازني في سوق العمل السعودي – في حالة تحريره من القيود – ويكون تحرير سوق العمل السعودي عن طريق إلغاء نظام الكفالة، وإبداله بنظام التصاريح، تشرف عليه وزارة العمل كجهة منظمة ومراقبة، و وزارة المالية كجهة تتسلم الرسوم والضرائب والجزاءات والغرامات – استناداً إلى مبدأ عمومية و وحدة الميزانية – ، و الإدارة العامة للجوازات  في وزارة الداخلية كجهة منفذة ومراقبة.

ويتم منح تصاريح العمل وفق آلية تضمن مراقبة سوق العمل والوقوف على احتياجاته، فإذا زاد الطلب عن العرض فإن وزارة العمل تمنح المزيد من التصاريح، مع مراعاة كل ما يحقق حرية السوق.

5-   ضمان حرية تنقل العمالة جغرافيا ومهنياً حسب مهاراتهم وخبراتهم  وشهاداتهم.

6-   أن لا يوكل إلى أي جهة من القطاع الخاص أمر منح التصاريح لكي لا يكون مصدر جباية منظم يؤدي إلى تشوه السوق مرة أخرى، حيث تعمل ما يشبه المافيا.

7-   تشريع أنظمة وقواعد لسوق العمل مثل: أنظمة لعقود العمل بين العامل ورب العمل، أنظمة ساعات العمل اليومي أيام العمل في الأسبوع، الفترة التي يقضيها العامل في التنقل، الشروط الجزائية…….الخ.

8-   المواءمة بين جانب العرض والطلب على الموارد البشرية الوطنية في سوق العمل السعودي فقوى العرض ممثلة بمخرجات نظام التعليم والتدريب ويغلب عليه القطاع العام ( وزارة التربية والتعليم و وزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني و معهد الإدارة العامة ) تركز على مهارات ومتطلبات وظائف القطاع الحكومي، ومن قبل التسعينات الميلادية والقطاع الحكومي قد بدأ فيه الترهل ومع ذلك استمرت المهارات التي يكتسبها مخرجات التربية والتعليم والتدريب تتناغم مع متطلبات القطاع الحكومي لا مع القطاع الخاص ـ إلى وقت قريب ولا زال أكثرها على هذا المنوال، يستثنى من ذلك المؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني ـ  مما أدى إلى اعتماد القطاع الخاص على العمالة الوافدة وتسارع معدلات البطالة وتفاقمها حتى أصبح حجمها( من الرجال 2.944.771 رجلاً، ومن النسا 3.392.809 امرأة)،  ومعدلها ( من الرجال  68,9%تتقرباً، ومن النساء  90% تقريبا ) ينذر بكارثة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

9-    وتتزايد البطالة بمعدلات متسارعة على الرغم من أن الإنفاق المعلن على تنمية الموارد البشرية يزيد عن ( 104.5) مليار ريال عام 2008م و(122) مليار ريال عام 2009م  بنسبة ( 25.7%) من الإنفاق الحكومي.

10-          والمواءمة بين قوى الطلب و قوى العرض للموارد البشرية يتطلب:    

     

أ  – المواءمة الكمية: أي حجم ـ أعداد ـ نواتج ومخرجات نظم التعليم والتدريب ( وزارة التربية والتعليم و وزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني و معهد الإدارة العامة ) متوافقة مع حاجات ومتطلبات التشغيل كعنصر من عناصر الإنتاج، فلا يكون هناك نقص أو فائض يؤدي إلى خلل في سوق العمل من شح في العرض أو فائض.

ب – المواءمة النوعية: وهو ما يعبر عنه بالكفاءات والمهارات التي يكتسبها المتعلم والمتدرب، كموظف ـ عامل ـ أو كمسئول عن التنظيم والإدارة في المنشأة، بحيث تكون تلك المهارات متوافقة مع المناصب والوظائف التي يطلبها سوق العمل.

جـ – المواءمة التنويعية: وتعني التجاوب بشكل مستمر مع التطورات والتغييرات التي تطرأ على سوق العمل، مما يستدعي تعديل بعض التخصصات أو تعديل مضمونها أو إلغاء بعضها أو استحداث برامج وتخصصات تعليمية وتدريبية.

 

     هذا ويتطلب تحرير سوق العمل من العوائق والعراقيل بالإضافة إلى ضرورة المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب مع متطلبات سوق العمل وغيرها من أدوات تخفيض حجم ومعدل البطالة، كل ذلك يتطلب بنية تشريعية متكاملة لأن التغييرات والإصلاحات الجزئية تواجه عراقيل  وطرق مسدودة بسبب البيروقراطية في أجهزة وقطاعات الدولة والقطاع الخاص، والفساد الإداري المتفشي والرشوة وسرقة المال العام فأي إصلاح وفق خطط التنمية الخمسية أو وفق إستراتيجية التوظيف السعودية المعلنة من وزارة العمل، أو غيرها سوف تبوء بالفشل ما لم يوفر لها البيئة الجيدة من الأنظمة الشاملة لجميع القطاعات ـ بنية تشريعية ـ  متوجة بدستور إسلامي يضمن مبدأ العدل والشورى المرتبط بالمحاسبة ومساءلة كل متعدٍ، والضمان لهذا هو استقلال السلطات التشريعية  والقضائية والتنفيذية عن بعضا البعض.

إذ أن التغييرات الجزئية تكون في بيئة غير مواتية مما يجعلها صعبة بل مستحيلة التحقيق والتطبيق، فنكون أمام سراب من الخطط والإستراتيجيات والتغييرات نحسبها تحل لنا كل مشكلة فإذا ما قطعنا مرحلة زمنية من وقت تطبيقها حسبنا أنفسنا قد حققنا أهدا فنا ووصلنا إلى الحل فإذا بنا لم نجد شيئا بل توغلنا في العطش والظمأ ـ مزيدا من البطالة وآثارها وو… ـ                

د/ عبدالرحمن بن حامد الحامد

الكلية التقنية ببريدة

البريد الإلكتروني moath30@yahoo.com

5 thoughts on “الخلل في سوق العمل السعودي والبطالة”

  1. السلام عليكم

    ماقلته يااخي الكريم هو الصواب بعينه متمنين ان يتم تعمه كنهج قويم
    وسيساعد كثيراً في من الحد منما هو رائج من بطاله وتكتل اجنبي
    وتسيب لعماله ليس لها حاجه غير الكسب من اي الطرق كانت
    والضرر الذي الحقته تلك العماله بالبلد لا يحصيه عداد

    اشكرك اخي على الطرح الطيب والنافع الذي اتمنى ا نجده واقع على ارض الواقع

    (عبير)

  2. انا استغرب كيف يتم احتساب نسب البطالة بهذا الشكل
    ولسان حالهم يقول ان الناس ما تبي تشتغل
    جزيت خيرا على هذا البحث ونتطلع الى المزيد

  3. مقالك وافي وشافي وأريد القول أنك قلت جوهر المشكلة وطرحت عدداً من الحلول لاباس بها ولكن كما تعلم يادكتور قبل عشرات السنوات والناس تكتب وتحذر وتبين ولكن لاحياة لمن تنادي وزاد اعجابي لتحليك لاعداد العاطلين الذي تخفيه الجهات المعنية في البلد بارك الله فيك ومن أمثالك .. والله الموفق

Comments are closed.

مواضيع مشابهه

الديمقراطية الكويتية لا تزال مصدر قلق للأنظمة الخليجية؟!الديمقراطية الكويتية لا تزال مصدر قلق للأنظمة الخليجية؟!

ناصر العبدلي هناك حملة غير معلنة تتبناها المملكة العربية السعودية عن طريق بعض كتابها تشكك في الديمقراطية الكويتية وتحاول تخويف مواطني الدول الخليجية وليس فقط مواطني المملكة العربية السعودية مما

إقـرأ المزيدإقـرأ المزيد