بسم الله الرحمن الرحيم
مناصحة الحكام بين الشرع والنظام
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه مشاركة متواضعة في الإجابة على أحد الاستفسارات والاشكالات التي كثيراً ما تطرح في هذا العصر الذي ضعف فيه الوازع الديني لانكار المنكرات ظاهرها وباطنها كما زاد فيه الخوف من غير الله حتى أصبح موازياً ان لم يكن أعظم من الخوف من الله. ودخل الشيطان في القلوب فأصبح تخويفه لاوليائه أكبر من الخوف من الله
, لذلك بدأ يظهر جلياً كيف أن قرأتنا لبعض مواضيع التوحيد كان خاطئاً وغير موصل لما أريد من فقدم التوكل والرجاء والخوف والاستغاثة للمخلوق ونسي الخالق , وأوجد من فعل ذلك عشرات المخارج من وخز الضمير وتأنيب الذات فأصبح فيه المسلمون من أهون الشعوب على الناس ومع احتفاظي لكل منهما بحق كل من يخالفني الذي يستحقه وقدره الذي يتبوؤه ومنزلته التي يعتليها إلا أنني أحببت أن أشارك في هذه المناقشات العلمية مشاركة, منصفة غير متحاملة على أحد ولا متحيزة لكاتب دون غيره فأقول مستعيناً بالله:
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).ويقول: سيد المرسلين وإمام المتقين والمبعوث رحمة للعالمين عليه أفضل الصلاة والسلام (بعثت على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك)
إن هذه الآية والحديث مع غيرهما من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة توجب على المسلمين الرجوع إلى حكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ولو خالف ذلك أهواء العامة والخاصة من حكام ورعية .فالمرد لله أولا وأخيراً, وله الأمر من قبل ومن بعد :-
والله سبحانه وتعالى قد قضى في أكثر من آية في كتاب الله عز وجل بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعل هذا الوجوب عاماً غير مخصص بحال دون حال, ولا لناس دون غيرهم. ومعنى هذا أن هذه الآيات بينت هذا الوجوب بوجه عام ولم تقل فيه :إنه يجب إنكار المنكر إن صدر من عموم الناس بالوسائل الثلاث المبينة في الحديث الصحيح أما إن صدر هذا المنكر من حاكم فإنه لا يجوز إنكاره إلا سراً.
بل جاءت القاعدة الشرعية بخلاف ذلك مطلقاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء -وفي لفظ أفضل الشهداء- حمزة بن عبد المطلب ورجل قام أمام سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله)
إن تقرير أفضلية من أمر السلطان ونهاه باللسان ووصول منزلته إلى منزلة سيد الشهداء وأفضل الشهداء,(وهو حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم) تدل دلالة قطعية- لمن لم تعم بصره بعض الأهواء والشبهات- عظم منزلة ذلك وعظم أجرة .فلا دليل على وجوب السرية في إنكار المنكرات السلطانية, بل الدليل واضح على وجوب الإنكار على الجميع وفي أي حال من الأحوال وهذا لا يعني انه يجوز الخروج على الإمام , حيث قام الدليل على حرمة الخروج على الإمام بالقوة إذا لم يظهر منه كفر بواح.
ثم تأتي النصوص الشرعية الواردة في صحيح السنة لتدل أيضاً على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوجه عام غير مخصصة بعامي ولا عالم ولا حاكم ولا رعية ,لا سراً ولا جهراً بل جاءت عامة يقدرها من أراد العمل بها , فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي تعبده الله بتقدير المصلحة في الأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر, ولم يتعبده الله برأي عالم أو فقيه أو قاض أو حاكم , وعلى اقل تقدير فإن هذه من المسائل الخلافية التي يعذر فيها من أجتهد ولا يجوز الإنكار عليه فضلاً عن إيقاع العقاب البدني والنفسي على من قام به. لكنه الإعجاب بالرأي والبعد عن التجرد من حض النفس وأهوائها قد يعمي صاحبه عن الحق فيرفض النص الشرعي أو يتأوله مع كثرة هذه النصوص وتظاهرها في الدلالة على ذلك ,
وإن الإنسان ليعجب أشد العجب ممن يترك ظاهر السنة الصحيحة وأعمال الصحابة المتواترة ليتمسك بحديث ضعيف أحياناً وأقوال رجال متأخرين أحياناً أخرى .فيجعل منها أدلة شرعية ليستدل بها على حرمة الفعل وتجريم فاعله وسوء من رضي به.
ونسي من فعل ذلك اوتناسى أن دين الله كامل وتام وأن هذا التشريعات التي تعبد الله بها عباده قد كملت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثبت الله كمال هذا الدين بقوله تعالى:(اليوم أكلمت لكم دينك وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
كما أن من ترك النص الشرعي الصحيح الصريح الوارد في القران والسنة أو في احدهما قد غفل على أن الله تعالى لم يفرط في كتابه في شيء قال تعالى:(ما فرطنا في الكتاب من شيء).
ثم يأتي ليستدل بأقوال المتأخرين ويترك أقوال وأفعال المتقدمين من صحابة رسول الله رضوان الله عليهم والتابعين بإحسان .
ومن ذلك ترك ما ثبت في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وما ثبت عن الحسن بن علي رضي الله عنه سيد شباب أهل الجنة وما ثبت عن عبد الله الزبير ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها,من إنكار المنكرات,
ثم ألا يفطن من حرم أن الله عز وجل عاتب نبيه في قرآن يتلى إلى يوم القيامة وأنكر عليه حينما قال:(عبس وتولى) وهذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم قدراً وأعلى شأناً من جميع الناس ام أنه يريد أن يقول أن بيان فعل هذه الأمور ومناصحة الحكام قد تنقص قدر الحاكم عند الرعية فيقال له: إن هذا الكلام غير صحيح لان الله عز وجل قد ذكر عن نبيه أمراً كان صلوات الله عليه وسلامه قد أسره في نفسه فقال:(وتخفى في نفسك ما الله مبديه) ولم يكن ذلك تنقيصاً لقدر رسول الله عند أصحابه بل زاد قدره عند العامة والخاصة لأنه لم يخف مثل هذه الآية عن الأمة مع ما قد يظن البعض فيها مما قد يخجل الإنسان العادي فضلاً عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وفي ختام هذه الفقرة ينبغي التنبيه على أمر قد غفل عنه البعض وقد سري عند بعض الفقهاء والمثقفين والقضاة .وذلك هو(تحريم ما أحل الله او تحليل ما احل الله ).
وينسون أن تحريم ما أحل الله داء عضال وجرم عظيم وتحريم الحلال شرك عظيم أعظم من تحليل الحرام لكن بعض الناس قد تهاون فيه .
أدلة وجوب مناصحة الحكام .
الادلة الشرعية الدالة على وجوب مناصحة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كثيرة لايسع المجال لذكرها جميعا وهي موجودة في مضانها من كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها وسأقتصر هنا على أهمها
الدليل الاول:
قال الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ).
وجه الدلالة من هذه الآية :-
وجوب المناصحة لجميع هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً ولم تفرق هذه الآية بين الأمر والنهي العلني والسري ولأن الأصل هو العلنية لا السرية وحيث لم يرد نص شرعي معتبر في تحول هذا الأصل. والحرص على فعل هذه الشعيرة جعل هذه الأمة خير الأمم وهذه الشعيرة لا يمكن أن تأتي ثمارها الحقيقية إلا بإعلانها واشتهارها مثلها مثل بقية شعائر المسلمين .
الدليل الثاني :
قول الله تعالى:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ).
وجه الدلالة من الآية :-
في هذه الآية أمر مطلق بالدعوة إلى الخير وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا الأمر المطلق يفيد الوجوب وهو عام في كل أمر ونهي لم يقيد ذلك الوجوب بالسرية ولا بالعلنية,ومن قيد هذا الإطلاق فعليه الدليل.
وحيث إن الأصل في هذه هو العلنية وهو ما يتوافق مع بقية النصوص الشرعية في القرآن والسنة, بل هو منهج الأنبياء عليهم السلام مع مخالفيهم من عهد نوح عليه السلام إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يدعون مخالفيهم ويأمرون قومهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر جهاراً , ثم يعلنون لهم ويسرون ويتحينون ما يفيدهم ويثمر معهم ولذلك نجد خير مثال لذلك ما ورد في سورة نوح حيث بدأ بالجهر والعلن قبل الأسرار قال الله تعالى:(ثم إني دعوتهم جهاراً *ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً)سورة نوح (8-9) والنصوص المبينة لدعوة الأنبياء عليهم السلام في القرآن قد أوضحت وجوب العلنية في ذلك, بل إنه حينما كانت الدعوة سرية لم تبلغ ما بلغته الدعوة العلنية .
وهذا الكلام يقال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة لعموم الأمة, أما حينما يتعلق بالحكام والسلاطين فإن وجوب الأعلام في إنكار المنكر عليهم من باب أولى لعدة أمور:
1- أن الأصل أن الحاكم قدوة فإذا أسر له بالإنكار على الأمر الظاهر قد يزيل هذا المنكر من قبل السلطان, لكنه سيبقى لا محالة في أذهان عموم الناس الذين لم يعلموا بحرمة هذا الأمر المنكر أو بعدم شرعيته. وهذا بخلاف مالوا أنكر هذا المنكر جهراً لتسبب هذا في زوال المنكر عند الأمام وزواله عند جميع العامة .
2- أن الأصل أن الحاكم حينما قارف هذا المنكر إن لم يكن جاهلاً بذلك فإنه يكون قد فعله بحكم شهوته متذرعاً بسلطته وقوته, فإذا أنكر هذا المنكر عليه سراً فقد يؤدي مثل ذلك إلى انتقام الحاكم من هذا الذي أنكر عليه هذا المنكر دون أن تتحقق الغاية من هذا الإنكار, وهذا بخلاف مالوا كان الإنكار علناً فإن هذا سيكون رادعاً للسلطان عن التمادي في منكره , كما أنه سيكون مانعاً له من إيقاع العذاب والعقاب فيمن أنكر عليه لأن هذا سيكون مكشوفاً لعموم الأمة والتي تضغط بسلطتها فتمنع انتقام الحاكم ممن أنكر عليه فأمره ونهاه .
3- إن الإنكار على الحاكم جهراً و مناصحتهم علناً تخلق الشجاعة في نفوس الناس وتجرئهم على إظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعموم الناس وهذا مطلب شرعي سام تمت مراعاته عند تشريع المناصحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الدليل الثالث :
حديث أبي سعيد الخدري أن أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَا ةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)
وجه الدلالة :-
لعل ذكر قصة ورود هذا الحديث ورواية أبي سعيد الخدري له تدل دلالة قطعية على أن المنكرات العامة الواقعة من الحكام لا تبرأ ذمة المسلم فيها إلا بالإنكار عليها علناً. وذلك لأن مروان بن الحكم لاحظ أن الناس كانت تؤدي صلاة العيد ثم تخرج من المصلى قبل أن تسمع الخطبة ولذلك بدأ بالخطبة أولاً, وعلى هذا فإن ما قام به مروان بن الحكم مخالف للسنة. وأنكر عليه فعله ذلك أمام عموم المسلمين, وفي مصلى العيد ولم يسر له ذلك , فقام الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال مقولته المشهورة عن هذا الذي أنكر على الحاكم جهراً أمام عموم المسلمين ((أما هذا فقد أدى ما عليه)).فمقولة أبي سعيد (أما هذا) فإنها تدل على سقوط الوجوب عن هذا الذي أنكر على الحاكم جهراً أمام عموم الناس. أما أولئك الذين لم ينكروا على الحاكم جهراً من عموم المسلمين الذين حضروا هذا الموقف فإنهم لم يقوموا بأداء الواجب عليهم مع أنه من المعلوم ضرورة أنه لم يكن من بين كل أولئك الحاضرين من لم ينكر بقلبه أو أضمر في نفسه مناصحة الحاكم ( مروان بن الحكم ) سراً فيما بينه وبينه. ومع ذلك فإن أبا سعيد رضي الله عنه بين أن من أدى الواجب عليه هو من أنكر هذا المنكر الظاهر جهراً وأمام عموم الناس.
الدليل الرابع:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
وجه الدلالة :-
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ورجل وقف أمام سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله.
وهذا الحديث لا يفيد أن مناصحة الحكام والسلاطين سنة فقط , بل يبين منزلة من قام بهذا الفعل الواجب, والذي لا يقدر عليه إلا من عظم الله وقدره واستحضر خشيته وهون في نفسه بطش البشر وعذابهم له , فعظم الله عنده أنساه وخفف عنه ما قد يخشاه من بقية البشر واستحضر ذلك فقام مناصحاً للحاكم وآمراً له بالمعروف وناهياً له عن المنكر حتى ضاق مثل هذا الحاكم بنصحه وأمره ونهيه فقتله .
أن تصور مثل هذا الموقف يبين كيف أن من فعل هذا الفعل قد حقق التوحيد الذي جاء في كلمة الإخلاص (لإله إلا الله) حقق التوحيد بأنصع صورة حيث شعر ظاهراً وباطناً بأنه لإله إلا الله, فلا نافع ولا ضار, ولا رازق ولا واهب ولا معطي ولا مانع ولا محيي ولا مميت إلا الله فصغر الخلق في عينه,وكبر وعظم الله فيها ,فهان عذاب الدنيا عنده مقابل تحقيقه لعبودية الله وإخلاص الدين له وحده , ألا يستحق من كانت خشيته لله تعالى ومهابته في قلبه بهذه المنزلة حتى أدت به إلى أن يفقد حياته , ويغادر هذه الحياة الدنيا إخلاصاً لله ألا يستحق أن يكون من أفضل المجاهدين بل هو سيد الشهداء مع حمزة بن عبد المطلب .هذا في حق الحكام الظالمين.
فكيف تكون الحال مع الحكام الذين يخشون ربهم ويعملون بأمره ويجتنبون نهيه و يستمعون للنصيحة ويعملون بها بل ويشكرون كل من قام بها مخلصاً عمله لله
الدليل الخامس:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
وجه الدلالة:-إن من المعلوم لجميع الناس مشقة الجهاد في سبيل الله على النفس وذلك لما فيه من خطورة ذهاب النفس ومفارقتها للحياة الدنيا ولذلك كانت هذه الشعيرة من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى بسبب ما يبذل فيها المسلم من ثمن عظيم مقابل إعلاء دين الله والذود عنه. فإذا كان ثمن مجاهدة الكفار لإعلاء كلمة الله عظيماً وجزاءه الجنة , فمما لاشك فيه أن هذا الفعل -وهو نصح الإمام الذي جعل افضل منها- أعظم أجراً و مثوبة من مجاهدة الكفار وذلك بسبب أن هذا الفعل- وهو نصح الإمام وتوجيهه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر- علانية أمام الناس لبيان عظم هذا الذنب المقترف وعظم المعصي وانه ليس له مهابة من دون الله . خاصة وأن بعض الحكام لا يمكن أن يرعوون عن غشيانهم للمنكرات ويتوقفوا عن فعلهم للمعاصي حتى يتبين ذلك للناس. وهذا في المنكرات الظاهرة كظلم العباد وعدم العدل في تقسيم الثروة واضطهاد المساجين ونحو ذلك من المنكرات العامة , أما منكراتهم الخاصة التي يفعلونها في مجالسهم الخاصة ومنتدياتهم المغلقة, فذلك مما لا يلزم المسلم الإنكار عليهم فيه, لأنه لم يطلع عليه ولانهم لم يجاهروا فيه فلا يجوز له ولا لغيره التجسس على الحكام ولا غيرهم, لأن التجسس محرم عند الله بنص القرآن والسنة , أما المنكرات الظاهرة أمام عموم الشعب فإنه ينبغي إنكارها علناً ولا يجوز الإسرار بها, لأن الأسرار بالنصح قد يجرأ الحكام على الاستمرار بها كما أنه يجرأ عوام الأمة على ممارستها خاصة حينما لا يعلمون أن الناس ينكرون على الحاكم فعله ذلك, فهم يقولون في أنفسهم إن الحاكم يقوم بهذا الفعل والعلماء وطلبة العلم يرون فعل هذه المنكرات ولا ينكرون عليه وهذا يدل على إباحة فعل هذه الأفعال وعدم حرمتها. وقد يعرض الناس في مثل هذا التفكير, خاصة مع وقوعه حقيقة حيث بدأ الناس يستمرؤن ممارسة هذه المنكرات بحجة فعل السلاطين لها ورضاهم عن وجودها ولم يسمع أن أحداً في يوم من الأيام قال إن هذه الأمور منكرة ولو فعلها السلطان, لأن طلبة العلم والعلماء وأهل الحل والعقد ينكرون هذه الأمور على السلطان ذلك سراً.
الدليل السادس:
قال صلى الله عليه وسلم (إذا رأيت أمتي تهاب من أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودع منها)
وجه الدلالة:-
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أمته أن تهاب الإنكار على الظالم بل وأضاف صلى الله عليه وسلم أنها إذا وصلت إلى هذه المرحلة فقد تودع منها. ومن المعلوم أنه لا يهاب إلا من صاحب الغلبة والقوة والسلطان ومعنى هذا أنه لا يجوز لأحد أن يتهيب من مناصحة أي شخص كان مهما يبلغ في قوته وجبروته , بل يجب مناصحته ومصارحته بأنه ظالم , لأنه إذا استمر بظلمه وعدم إيقافه عند حده في ذلك فإنه سيؤدي إلى أن يتودع من الأمة لتقصيرها في هذه الشعيرة العظيمة في إنكار المنكرات العامة .
وهذا عام في جميع من ظلم بأنه يجب في مناصحته مهما بلغ سلطاناً وقوته وانه لايجوز ترك ذلك خوفاً من بطشه وطغيانه ومن ذلك الحاكم إذا أشتد على الناس قوةً وبطشا.
الدليل السابع:(لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله على قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم)
وجه الدلالة:-
أمر واضح وجلي من النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يد الظالم وأطره ورده وثنية عن التمادي في الباطل وإلزامه بالاقتصار على الحق فإذا لم تفعل الأمة ذلك حزب الله قلوب بعضهم على بعض ثم لعن بقية هذه الأمة كما لعن أولئك الظلمة المتجاوزون لحقوق الله تعالى.
وهذا نص عام في جميع الظلم من هذه الأمة يدخل في ذلك كل من ظلم الأمة أو أحد أفرادها في شي فإنه يجب إيقافه عند حده وإلزامه بالحق وثنية عن الاستمرار في ظلمة سواءً كان حاكماً أو محكوماً وإن كان من المعلوم أن الظالم لا يستعجل ظلمه ويتجاوز إلا إذا كان صاحب قوة وعلية وبطش ومال أو جنده أو حيلته. ويجب إيقاف هذا الظلم بأسرع وأنفع الطرق المؤدية إلى ذلك سواءً كانت بالنصيحة العلنية أو السرية وإن كانت العلنية أكثر فائدة وأسرعاً نفعاً لأن الظالم الذي استجاز الظلم قد لا يرعوى بنصحه سراً بل قد يتعدى على من نصحه سراً ويؤذيه في بدنه أو ماله بخلاف النصيحة العلنية فإنه قد يتهيب هذا الظالم إيذائه لأنه ستعلم هذه الأمة سبب إيذائه, وأنه بسبب نصحه للحاكم وتكون بذلك أحد الدعائم القوية لحمايته من إيقاع الظلم والعذاب عليه من قبل الحاكم. وذلك لأن السلطة مسئولة عن تصرفاتها من قبل الأمة
الدليل الثامن :
ما جاء في الحديث((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته وهذه المسئولية سوف تكون من قبل الله تعالى يوم القيامة ومن قبل الأمة في هذه الحياة الدنيا. وهذا تأصيل لمبدأ شرعي سامي جاء به الإسلام قبل هذه القوانين المحدثة بأربعة عشر قرناً وهو مبدأ. سلطة الأمة على الحاكم ووجوب محاسبتها له. وهو ما أكده القرآن وأكد عليه في قول الله تعالى عن نفسه(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) فالذي لا يسأل عما يفعل في الدنيا والآخرة هو الله عز وجل أما من سواه فإنهم مسئولون عن أفعالهم وتصرفاتهم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة ومنهم الحكام. وهذا هو الذي يتمشى مع المبدأ الشرعي الصحيح وهو أن العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه تعالى وما سواه مهما بلغت مراتبهم الدنيوية فليس لهم عصمة, ويجب أن يحاسبوا على أعمالهم وتجاوزاتهم .فإذا كانوا مسئولين في هذه الحياة ومحاسبين على تجاوزاتهم فانه تجب مناصحتهم عند حصول الأخطاء منهم حتى تكون الحجة فد قامت لهم وعليهم في الدنيا والآخرة.
الدليل التاسع:
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم معترضاً عليه في قسمته :(يا محمد اعدل فإنك لم تعدل , وإن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك من يعدل إن لم أعدل) فأراد الصحابة ضربه فقال صلى الله عليه وسلم:(معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي).
وجه الدلالة :-
أن هذا الرجل تكلم أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه وأغلظ له القول فيما يعتقد هو أنه نصيحة, فما نهره النبي صلى الله عليه وسلم ولا عاقبة ولاحا كمه, ولم يقل له انه لايصح منك هذا الفعل جهرا, وإنما كان ينبغي عليك أن تعلم أن النصيحة لا تكون إلا سراً, كما أن الصحابة لم ينكروا عليه ذلك ولكنهم جزعوا من قلة أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كانت نصيحة الأمام لا تجوز إلا سراً كما يقول البعض لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.لأن عدم إنكاره عليه مع وجوبه يعتبر تأخير للبيان عن وقت الحاجة , وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
الدليل العاشر:
كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس مع أصحابه فقال له رجل يهودي يا بني عبد المطلب إنكم قوم مطل أي لا تؤدون الحقوق. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد استلف منه مالاً. فأراد عمر رضي الله عنه أن يضرب اليهودي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمره بحسن الطلب وتأمرني بحسن الأداء) .
وجه الدلالة:-
أن هذا اليهودي ناصح الأمام في وقته وهو النبي صلى الله عليه وسلم بان يقضي دينه الذي له عليه وكان هذا الفعل من هذا اليهودي بمحضر من الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل وافقه على ما فعله ونهي أن يتعرض له. بل وعاتب عمر بن الخطاب حينما أراد ضربه وقال له إن الواجب عليك أن تأمره بحسن الطلب وتأمرني بحسن الأداء وهذا دليل ثاني على أن مطالبة الإنسان بحقه والنصح والأمر بالمعروف يجوز في العلن. بل هو واجب فيه. لقوله صلى الله عليه وسلم (وتأمرني بحسن الأداء). وهو يدل على وجوب أمر الحكام ونصحهم في العلن وليس في السر.
فهذا دليل دل على النصيحة العلنية من وجهين:-
1- من جهة عدم الإنكار على اليهودي نصحه ومطالبته النبي صلى الله عليه وسلم . ولو كان هذا محرماً أو منهياً عنه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وقته لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر عدم نصحه للنبي صلى الله عليه وسلم وعدم أمره له بحسن الأداء مع أنه كان في مجموعة من أصحابه مما يدل على أن نصيحة الحاكم في العلن أمراً واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر حينما لم يقم بذلك.
الدليل الحادي عشر:-
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه في صلح الحديبية فقال له:(علام نعطى الدنية في ديننا).
وجه الدلالة:- أن فعل عمر بن الخطاب كان نصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أمام أصحابه ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه فعله ذلك مما يدل على مشروعية الإنكار على الحاكم والنصح له ولو كان علناً.
الدليل الحادي عشر:
(الدين النصيحة) قلنا لمن يا رسول الله. قال:(لله ولكتابة ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
وجه الدلالة:- ان قد ورد النص على النصيحة للحاكم وان هذا من دين الله الذي شرعه لامة محمد صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثالث عشر:
(إن المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين يعترضون على سياساتهم وينتقدون ممارساتهم ولم ينكر أحد على هؤلاء المعترضين ولا على هؤلاء الناصحين والمنتقدين لممارسة الخلفاء الراشدين مما يدل على مشروعية ذلك وأن من قال بخلاف ذلك فقد اتبع هواة وابتعد عن الدليل الشرعي. ولو كان انتقاد الخلفاء والحكام علناً منكراً كما يزعم البعض لأنكر ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على من فعله).
وجه الدلالة :- وجه الدلالة من هذا الدليل واضح وصريح بجواز الإنكار على الحكام والسلاطين سرا وجهراً وجواز منا صحتهم كذلك وهذا ماحصل في عهد الخلفاء الراشدين وهم خير القرون بل وأفضل البشر بعد الأنبياء, ولم يكن أحد ينكر على أحد في ذلك وما قال أحد منهم- سواء كان من المنكر عليهم او كان من الموجودين في ذلك الوقت مع المنكر عليهم أو المناصحين-.بعدم جواز المناصحة العلنية.
الدليل الرابع عشر:
(قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة البيعة وبعد أن أصبح خليفة حيث قال: إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني .
وجه الدلالة:-
أن في هذه العبارة تأكيد من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبدأ حق الأمة في نقد سياسة الإمام وتقويمه ونصحه علناً وسراً.
الدليل الخامس عشر:
(اعتراض عمر بن الخطاب وبعض الصحابة على أبي بكر رضي الله عنهم عندما أراد قتال أهل الردة. ومازال أبو بكر رضي الله عنه يجادلهم حتى أقنعهم برأيه )
وجه الدلالة:-
أن اعتراض كثير من الصحابة على رأي أبو بكر وإعلانهم لهذا الاعتراض والمجاهرة به يعتبر تقويم له و مناصحته علانية ولم ينكر أبو بكر عليهم فعلهم ذلك ولو كان منكراً كما ذكر بعض المنتسبين لأهل العلم لأنكر عليهم.
الدليل السادس عشر:
(دخل رجل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأغلظ الرجل القول لأبي بكر فقال أبو برزة الإسلمي: ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله؟ فغضب أبو بكر أشد الغضب من هذه الكلمة التي قالها أبو برزة وقال: لا والله ما كانت لأحد بعد رسول الله .
وجه الدلالة:-
أن هذا الرجل لم يكتف بالإنكار على خليفة رسول الله أبي بكر أو مناصحته فقط بل قد أغلظ القول له وعنده غيره , ومنهم أبو برزة الاسمي ومع ذلك لم ينكر عليه أبو بكر إنكاره ولا إغلاظ القول في الانكار , بل انكر على ابي برزة وغضب من قوله مالم يغضب من فعل الرجل ولو كان انكاره علانية منكراً أو محرماً لبين له ابوبكر رضي الله عنه ذلك.
الدليل السابع عشر:ـ
أن بلال الحبشي رضي الله عنه كان مع جماعة من الصحابة الذين اعترضوا على سياسة عمر بن الخطاب في شان الأرض المغنومة وطالبوه بتقسيمها على الفاتحين، ورأى عمر رضي الله عنه وقفها على جميع المسلمين، وما زالوا يجادلونه حتى دعا الله عليهم وكان يقول: اللهم اكفني بلالاً.
وجه الدلالة:-
أن بلال رضي الله عنه اعترض مع مجموعة من الصحابة على سياسة عمر في الأرض المغنومة علانية ولم ينكر عليه سراً. ولو كان الإنكار على الإمام علانية محرماً إلا بإذنه لأنكر ذلك عمر بن الخطاب عليهم, بل لو كان محرماً لم يجرأ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل هذا المنكر لأنهم أبعد الناس عن مقارفة المنكرات والمحرمات كما أن عمربن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين في ذلك الوقت رضي الله عنه لم يجد وسيلة لمجابهة معارضيه في هذه القضية إلا محاورتهم ثم الدعاء عليهم. ولم يأمر بمحاكمتهم أو قذف التهم عليهم أو إيداعهم في السجن أو نحو ذلك مما كان يمكن أن يفعله لو كان ما فعلوه منكراً أو ذنباً يستحقون عليه العقاب , خاصة مع ما يعرف من أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أنه لا يخشى في الله لومة لائم .
الدليل الثامن عشر:
(أن هناك مجموعة من الصحابة اعترضوا على سياسة عثمان بن عفان رضي الله عنه ومنهم عمار بن ياسر وعبد الرحمن بن عديس البلوي وهم ممن بايع تحت الشجرة وعمرو بن الحمق الخزاعي وعدي بن حاتم الطائي وجندب بن كعب الأزدي وعروة بن جعد البارقي وغيرهم كما كان معهم بعض التابعين كمحمد بن أبي بكر وغيره).
وجه الدلالة:-
أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لم يكتفوا بمناصحة الخليفة عثمان رضي الله عنه بل تجاوزوا ذلك إلى الاعتراض عليه ومطالبته بعدة أمور: منها ما يتعلق بالإصلاح السياسي ومنها ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي ومنها مايتعلق بالإصلاح الإداري وغيرها .
ومع كل ذلك لم ينكر عليهم عثمان رضي الله عنه اعتراضهم عليه بل ناقشهم و حاورهم وسمع منهم وسمعوا منه ورجع عن بعض تصرفاته رضي الله عنه بسبب ذلك ولم يقل لهم إن فعلكم هذا معصية أو إنه منكر وكان يجب عليكم مناصحتي سراً, لأنني لم أذن لكم في ذلك, كما لم يأمر بإحالتهم للمحاكمة أو السجن أو غير ذلك مما يدل على أن فعلهم ذلك مشروع بل قد يكون واجباً في أحوال كثيرة كما أنه لم يقل أحد من الصحابة مثل ذلك.
الدليل الحادي والعشرون:
(ما جاء في الحديث الصحيح:- وألا ننازع الأمر أهله وفيه(على أن نقول [نقوم]بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم).
وجه الدلالة:-
أنه يجب طاعة الحاكم والالتزام بأمره ونهيه وعدم جواز منازعته أو الخروج عليه بالسلاح ولاغيره مادام قائماً بواجبه الذي كلفه الله به , ولم يظهر منه كفر بواح, كما أنه يجب على المسلمين إبداء أرائهم والتعبير عن معتقداتهم والإنكار على سلاطينهم دون أن يخافوا في الله لومة لائم وهذا دليل صريح جمع بين تحريم الخروج على الحكام ووجوب نصحهم والإنكار عليهم وعدم ترك ذلك خوفاً منهم وفي هذا دليل قطعي على أنه لا يوجد تلازم بين نصيحة الحكام والإنكار عليهم وبين الخروج عليه ,بل إن نصحهم وسيلة مشروعة لتثبيت حكمهم وتمسك الشعب بهم , و تجعله حكماً شرعياً خالياً من المنكرات التي تتسبب في عزلهم ولذلك فإنه يحرم على السُلْطات مصادرة حق الشعوب في التعبير عن الرأي .
الدليل الثاني والعشرون:
(أن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت كان في الشام ينكر على معاوية بن أبي سفيان أشياء علنية ويحتج بحديث البيعة السابق فكتب معاوية إلى عثمان: أن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام و أهله. فلما جاء عبادة إلى عثمان رضي الله عنهما قال له سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إنه سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون, فلا طاعة لمن عصى الله تبارك وتعالى فلا تعتلوا بربكم).
وجه الدلالة:-
أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنكر على معاوية بالشام أشياء علانية وهو لم يأذن له بذلك, بل لقد ضاق به ذرعاً حتى شكاه إلى عثمان. ولو كان الإنكار على السلاطين والأمراء علانية منكر لبينه معاوية رضي الله عنه أو عثمان لعبادة بن الصامت ,كما أنه لو علم عبادة بن الصامت أنه منكراً لم يفعله أصلاً.
الدليل الرابع والعشرين:
(قال النووي تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أيضاً من النصيحة التي هي الدين قال العلماء: لا يختص بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات. بل ذلك جائز لآحاد المسلمين. قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم من غير ولاية) وقال الأمام ابن حزم:(الأمام واجب الطاعة ما قادنا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن زاغ عن شيء منها منع من ذلك).
وجه الدلالة:-
هذه النصوص وغيرها تبين وجوب طاعة الإمام في غير معصية الرحمن لمافي طاعته من استقامة أمور المجتمع وصلاحه وتماسكه. ولكن وجوب طاعته لا يتعارض مع أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والنصح له لأن هذه الأمور من لوازم الطاعة بالمعروف.
فوائد وثمرات العلنية في مناصحة الحكام:-
أن الناظر بتجرد في الفوائد والثمرات التي تعود على الأمة الإسلامية والمجتمع المسلم في علنية مناصحة الحكام ليدرك من أول وهلة أنه يعلم ثبوت مشروعيتة
بالقرآن الكريم والسنة النبوية سنة الخلفاء الراشدين وأقوال الصحابة وآثار التابعين لوجد أن الواقع العلمي والفوائد والثمرات المتوقعة منها تثبت مشروعها ولذلك نجد كثيراً من القوانين الوضعية في الوقت المعاصر قد جعلت مثل هذا الأمر من أبجديات سياستهم بل ونصت على وجوب ممارسته من قبل أحزاب المعارضة وجمعيات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني.
إن الواجب علينا طالما ثبت لنا مشروعية العلنية في مناصحة الحكام بالكتاب والسنة وعمل الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقول التابعين. الواجب علينا العمل بها وذلك لأن الله قد بين لعموم المسلمين بأنه إذا قضى أمراً فإنه لا يكون للمؤمنين الخيرة في أمرهم بل يجب عليهم امتثال أمره.
قال الله تعالى:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
وبقوله تعالى:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما).الفتح
وإن من أهم الثمرات والفوائد من إقرار مبدأ المناصحة العلنية للحكام ما يأتي:-
1- أن في ذلك امتثال لأمر الله عزوجل وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم .
2- أن في ذلك اقتداء بسنة الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم.
3- أن في إعلان مناصحة الحكام إظهار لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الشعيرة التي فضل الله بها هذه الأمة عن بقية الأمم في قوله تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
4- أن في إظهار هذا الشعيرة تحقيق صفه من صفات المؤمنين الثابتة لهم في القرآن الكريم في قوله تعالى:(والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
5- كما أن في الإنكار العلني على الحكام بيان أن العصمة ليست لأحد من الخلق سوى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه.
6- أن في الإنكار على الحكام علناً إيصال رسالة لجميع الأمة بأن السيادة للإسلام وشعائره وأنه لا أحد فوق دين الله وأن الجميع سواء كان حاكماً أو محكوماً تحت تعاليم الإسلام ولا مزية للحاكم تمنحه حق معصية الله أو فعل محرماته.
7- أن الإنكار العلني على الحاكم أدعى لامتناع الحاكم عن الاستمرار فيما أنكر عليه كما أنه ادعى له بسرعة الإقلاع عن هذا المنكر حتى لا يهون أمره على بقية الأمة.
8- أن الجميع تحت طاولة المسألة والمحاسبة عندما تصدر منهم أخطاء أو منكرات تضر بالأمة وأن الله هو الذي لا يسأل عما يفعل أما سواه فهم يسألون.
9- أن في الإنكار العلني على الحكام ترسيخ لمبدأ وصاية الأمة وسلطتها على الحاكم وهذا ماقرره الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً. ولم تفطن له المجتمعات الغربية إلا في هذا العصر المتأخر.
10- كما أن محاسبة الحاكم والإنكار العلني عليه أعمال لمبدأ الشفافية والذي عمل به النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده.
وأما مايتعلق بمناصحة الحكام في النظام فقد جاء النظام في المملكة العربية السعودية متماشياً مع النص الشرعي وروحه حيث أصبحت مناصحة الحاكم أحد الركائز فيه وذلك لما يلي:
1- أن المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم قد ذكرت أن دين المملكة العربية السعودية الإسلام وان دستورها القرآن والسنة ونص هذه المادة :المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة , دينها الإسلام ,ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , ولغتها هي اللغة العربية , وعاصمتها مدينة الرياض .
2- كما أن الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام نفسه قد نصت على: أن المبايعة تكون على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
3- المادة السادسة قد نصت على أنه :يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
4- كما ان المادة السابعة قد نصت على أن مصادر الحكم هي القرآن والسنة , وأنهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة .وهذا يوضح أن الحكم في المملكة العربية السعودية ملتزم بما ثبت في شرع الله المطهر ويدل وبوضوح مقدار التزام النظام بالمملكة العربية السعودية بما أثبتت الادلة الشرعية في دين الله تعالى وان الأمر ليس بالتشهي حينما يصدر بالدليل.وقد بينا فيما سبق من الأدلة كيف أن القرآن الكريم قد ذكرفي أكثر من موضع وجوب المناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً ولجميع المسلمين ولم يفرق بين الحاكم وشعبة ولا بين العالم والأمي وكذلك الأمر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- كما نصت المادة الثامنة على أنه (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.ولعله مما يعلم بالضرورة ان من لوازم ذلك المناصحة للحاكم وامره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
6- كما نصت المادة الثالثة والأربعون على ما يأتي :(مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن , ولكل من له شكوى أو مظلمة, ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشئون . وهذه المادة تبين وجوب المناصحة للحاكم وأن من وقفت عليه مظلمة ولم يرفع أمره إلى القيادة العليا في الدولة فإنه يكون قد فرط في حقه وبالتالي فإنه قد برأت الذمة من هذه المظلمة خاصة وأن قد جعل هناك باب مفتوحاً لمجلس الملك ولمجلس ولي عهده كما إن جميع الولاة منذ عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمنا الله وإياه وحتى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد قالوا في كل مناسبة أننا أحد أفراد هذا الشعب أوجب الله علينا أن نقوم بأمره وأبوابنا مفتوحة لكل من وقعت عليه مظلمة فأرادا أن يرفعها إلينا.
وبعد هذا الثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي نص النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية فإني أقول إن ما يقوم به البعض من إنكار هذا المبدأ الشرعي من فجر الإسلام وحتى يومنا هذا إنما يريدون إيجاد الفجوة بين القائد وشعبه وهي طريقة يحاول أعداء الإسلام أن ينفذوها لإيجاد مثل هذا الخلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم .وإلا فإننا لم نسمع من أحد من أبناء المؤسس يرحمه الله قد عاتب أو عنف أو صرح بمنع المناصحة أياً كانت سواء سرية أو جهرية مالم يكن – هذا الذي يعتبر نفسه ناصحاً -قد أراد التشهير فقط وهو كاذب فيما قال وأدعى .
أيصح بعد هذا أن يقال ان الدولة أو أنظمتها قد قصرت في حق الحاكم أو المحكوم ؟!! أو مد الجسور بينهما في كل مافيه مصلحة الوطن والمواطن ؟؟؟ او أنها قد منعت شيئاً قد اوجبه الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته .ومن قال بخلاف ذلك فليتق الله ربه وليعلم أن الله سيسأله عما قال.
أ.د/عبدالكريم بن يوسف بن عبدالكريم الخضر
أستاذ القانون في كلية الاقتصاد والإدارة سابقاً
وأستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اسأل الله ان ينير دربك ويشرح صدرك ويلهمك الحكمه وان يجعلك اماماً لقول الحق حين يخفى ويترجع من يعلمه خوفاً وطمعاً في الدنيا . واسأل الله العزيز ان يحفظك بحفظه وان يضلك في ظله يوم لا ضل الا ضله وان ينصرك بنصره انه سميع مجيب
وصل الله وسلم على اشرف الانبياء والمرسلين ،
اخوك (ميثاق العهد ") فهد بن منصور العرجاني
بسم الله الرحمن الرحيم
اسأل الله ان ينير دربك ويشرح صدرك ويلهمك الحكمه وان يجعلك اماماً لقول الحق حين يخفى ويترجع من يعلمه خوفاً وطمعاً في الدنيا . واسأل الله العزيز ان يحفظك بحفظه وان يضلك في ظله يوم لا ضل الا ضله وان ينصرك بنصره انه سميع مجيب
وصل الله وسلم على اشرف الانبياء والمرسلين ،
تقبل شكر وتحيات اخوك (ميثاق العهد ") فهد بن منصور العرجاني